يعلمون مدفنه ودلوا الناس على ذلك الموضع فأخرجوه فقالت اليهود : ما كان سليمان إلا ساحرا وما تم له الملك إلا بهذا.
وقيل كان آصف ابن برخيا (١) كاتب سليمان يكتب الحكمة بأمر سليمان ويدفن كتبه تحت كرسي سليمان لتجدها الأجيال فلما مات سليمان أغرت الشياطين الناس على إخراج تلك الكتب وزادوا في خلال سطورها سحرا وكفرا ونسبوا الجميع لسليمان فقالت اليهود : كفر سليمان.
والمراد من الآية مع سبب نزولها ـ إن نزلت عن سبب ـ أن سليمان عليهالسلام لما مات انقسمت مملكة إسرائيل بعده بقليل إلى مملكتين إحداهما مملكة يهوذا وملكها رحبعام ابن سليمان جعلوه ملكا بعد أبيه وكانت بنو إسرائيل قد سئمت ملك سليمان لحمله إياهم على ما يخالف هواهم فجاءت أعيانهم وفي مقدمتهم يربعام بن نباط مولى سليمان ليكلموا رحبعام قائلين : إن أباك قاس علينا وأما أنت فخفف عنا من عبودية أبيك لنطيعك فأجابهم اذهبوا ثم ارجعوا إلي بعد ثلاثة أيام واستشار رحبعام أصحاب أبيه ووزراءه فأشاروا عليه بملاينة الأمة لتطيعه. واستشار أصحابه من الفتيان فأشاروا عليه أن يقول للأمة إن خنصري أغلظ من متن أبي فإذا كان أبي قد أدبكم بالسياط فأنا أؤدبكم بالعقارب فلما رجع إليه شيوخ بني إسرائيل في اليوم الثالث وأجابهم بما أشار به الأحداث خلعت بنو إسرائيل طاعته وملكوا عليهم يربعام ولم يبق على طاعة رحبعام إلا سبطا يهوذا وبنيامن واعتصم رحبعام بأورشليم وكل أمته لا تزيد على مائة وثمانين ألف محارب يعني رجالا قادرين على حمل السلاح وانقسمت المملكة من يومئذ إلى مملكتين مملكة يهوذا وقاعدتها أورشليم ، ومملكة إسرائيل ومقرها السامرة ، وذلك سنة ٩٧٥ قبل المسيح كما قدمناه عند الكلام على قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالنَّصارى وَالصَّابِئِينَ) [البقرة : ٦٢] الآية ولا يخفى ما تكون عليه حالة أمة في هذا الانتقال فإن خصوم رحبعام لما سلبوا منه القوة المادية لم يغفلوا عما يعتضد به من القوة الأدبية وهي كونه ابن سليمان بن داود من
__________________
(١) آصف بن برخيا يعده مؤرخو المسلمين وزيرا لسليمان حكيما كبيرا ولذلك ضربوا به الأمثال للسياسيين الناصحين ولكن هذا ليس بمعروف في كتب الإسرائيليين والمعروف عندهم آسف بن برخيا أحد أئمة المغنين عند داود الملك وينسب إليه وضع بعض المزامير والأغاني المقدسة.
فلعله قد عاش إلى زمن سليمان فاتخذه وزيرا لأنه من خواص أبيه وإن لم يذكر هذا «لاروس» ولا «البستاني».