وقد كان اليهود يعتقدون كفر سليمان في كتبهم فقد جاء في سفر الملوك الأول أن سليمان في زمن شيخوخته أمالت نساؤه المصريات والصيدونيات والعمونيات قلبه إلى آلهتهن مثل (عشتروت) إله الصيدونيين (ومولوك) إله العمونيين (الفينيقيين) وبنى لهاته الآلهة هياكل فغضب الله عليه لأن قلبه مال عن إله إسرائيل الذي أوصاه أن لا يتبع آلهة أخرى.
وقوله : (يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ) حال من ضمير (كَفَرُوا) والمقصد منه تشنيع حال كفرهم إذ كان مصحوبا بتعليم السحر على حد قوله : كفر دون كفر فهي حال مؤسسة.
والسحر الشعوذة وهي تمويه الحيل بإخفائها تحت حركات وأحوال يظن الرائي أنها هي المؤثرة مع أن المؤثر خفي قال تعالى : (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) [الحجر : ١٤ ، ١٥] ولذلك أطلق السحر على الخديعة تقول : سحرت الصبي إذا عللته بشيء ، قال لبيد :
فإن تسألينا فيم نحن فإننا |
|
عصافير من هذا الأنام المسحّر |
ثم أطلق على ما علم ظاهره وخفي سببه وهو التمويه والتلبيس وتخييل غير الواقع واقعا وترويج المحال ، تقول العرب : عنز مسحورة إذا عظم ضرعها وقل لبنها وأرض مسحورة لا تنبت ، قال أبو عطاء :
فو الله ما أدري وإني لصادق |
|
أداء عراني من حبابك أم سحر |
أي شيء لا يعرف سببه. والعرب تزعم أن الغيلان سحرة الجن لما تتشكل به من الأشكال وتعرضها للإنسان.
والسحر من المعارف القديمة التي ظهرت في منبع المدنية الأولى أعني ببلاد المشرق فإنه ظهر في بلاد الكلدان والبابليين وفي مصر في عصر واحد وذلك في القرن الأربعين قبل المسيح مما يدل على أنها كانت في تينك الأمتين من تعاليم قوم نشئوا قبلهما فقد وجدت آثار مصرية سحرية في عصر العائلة الخامسة من الفراعنة والعائلة السادسة (٣٩٥١ ـ ٣٧٠٣) ق. م.
وللعرب في السحر خيال واسع وهو أنهم يزعمون أن السحر يقلب الأعيان ويقلب القلوب ويطوع المسحور للساحر ولذلك كانوا يقولون إن الغول ساحرة الجن ولذلك تتشكل للرائي بأشكال مختلفة. وقالت قريش : لما رأوا معجزات رسول الله : إنه ساحر ، قال الله تعالى : (وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ) [القمر : ٢] وقال الله تعالى :