على اعتقاد تأثير الألفاظ في المسحور بحسب نية الساحر وتوجهه النفسي إلى المسحور ، وقد تأصل هذا عند اليهود واقتنعوا به في مقاومة أعدائهم. ولما كان أذى الشخص بقول أو فعل لا يعلم مغزاهما كخطابه بلفظ يفيد معنى ومقصود المتكلم منه أذى ، أو كإهانة صورته أو الوطء على ظله ، كل ذلك راجعا إلى الاكتفاء بالنية والتوجه في حصول الأذى ، كان هذا شبيها ببعض ضروب السحر ولذلك كان من شعار من استهواهم السحر واشتروه ناسب ذكر هاته الحالة من أحوالهم عقب الكلام على افتتانهم بالسحر وحبه دون بقية ما تقدم من أحوالهم وهاته المناسبة هي موجب التعقيب في الذكر.
وإنما فصلت هذه الآية عما قبلها لاختلاف الغرضين لأن هذه في تأديب المؤمنين ثم يحصل منه التعريض باليهود في نفاقهم وأذاهم والإشعار لهم بأن كيدهم قد أطلع الله عليه نبيه. وقد كانوا يعدون تفطن المسحور للسحر يبطل أثره فأشبهه التفطن للنوايا الخبيثة وصريح الآيات قبلها في أحوالهم الدينية المنافية لأصول دينهم ولأن الكلام المفتتح بالنداء والتنبيه ونحوه نحو (يا أَيُّهَا النَّاسُ) ويا زيد وألا ونحوها لا يناسب عطفه على ما قبله وينبغي أن يعتبر افتتاح كلام بحيث لا يعطف إلا بالفاء إذا كان مترتبا عما قبله لأن العطف بالفاء بعيد عن العطف بالواو وأوسع من جهة التناسب.
و (راعِنا) أمر من راعاه يراعيه وهو مبالغة في رعاه يرعاه إذا حرسه بنظره من الهلاك والتلف وراعى مثل رعى قال طرفة :
خذول تراعى ربربا بخميلة
وأطلق مجازا على حفظ مصلحة الشخص والرفق به ومراقبة نفعه وشاع هذا المجاز حتى صار حقيقة عرفية ومنه رعاك الله ورعى ذمامه ، فقول المسلمين للنبي صلىاللهعليهوسلم (راعنا) هو فعل طلب من الرعي بالمعنى المجازي أي الرفق والمراقبة أي لا تتحرج من طلبنا وارفق بنا.
وقوله : (وَقُولُوا انْظُرْنا) أبدلهم بقولهم : (راعِنا) كلمة تساويها في الحقيقة والمجاز وعدد الحروف والمقصود من غير أن يتذرع بها الكفار لأذى النبي صلىاللهعليهوسلم وهذا من أبدع البلاغة فإنّ نظر في الحقيقة بمعنى حرس وصار مجازا على تدبير المصالح ، ومنه قول الفقهاء هذا من النظر ، والمقصود منه الرفق والمراقبة في التيسير فيتعين أن قوله : (انْظُرْنا) بضم همزة الوصل وضم الظاء وأنه من النظر لا من الانتظار.