هُوداً أَوْ نَصارى) [البقرة : ١١١] الآيات. ونبه بقوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) دون ما يود أهل الكتاب على أنهم لم يتبعوا كتابهم لأن كتبهم تأمرهم باتباع الحق حيثما وجدوه وبالإيمان بالنبيء المقفي على آثارهم وفي التوراة والإنجيل مواضع كثيرة فيها أخذ الميثاق على ذلك فلما حسدوا النبي صلىاللهعليهوسلم على النبوءة وحسدوا المسلمين فقد كفروا بما أمرت به كتبهم وبهذا تخلص الكلام إلى الجمع بين موعظة النصارى مع موعظة اليهود.
ولما كان ما اقتضاه الحال من التعبير بقوله : (الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) قد يوهم كون البيان قيدا وأن الكافرين من غير أهل الكتاب لا يحسدون المسلمين عطف عليه قوله : (وَلَا الْمُشْرِكِينَ) كالاحتراس وليكون جمعا للحكم بين الجميع فيكون له حظ في التمهيد لقوله فيما يأتي : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) [البقرة : ١١٤] وقرأ الجمهور (أن ينزل) بتشديد الزاي مفتوحة. والتعبير بالتنزيل دون الإنزال لحكاية الواقع إذ القرآن نزل منجما لتسهيل حفظه وفهمه وكتابته وللتيسير على المكلفين في شرع الأحكام تدريجا. وقرأه ابن كثير وابن عمرو بتخفيف الزاي مفتوحة أيضا وذلك على أن نفي ودادتهم متعلق بمطلق إنزال القرآن سواء كان دفعة أو منجما.
والخير النعمة والفضل ، قال النابغة :
فلست على خير أتاك بحاسد
وأراد به هنا النبوءة وما أيدها من الوحي والقرآن والنصر وهو المعبر عنه بالرحمة في قوله : (وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ).
وقوله : (وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ) عطف على (ما يَوَدُّ) لتضمنه أن الله أراد ذلك وإن كانوا هم لا يريدونه.
والرحمة هنا مثل الخير المنزل عليهم وذلك إدماج للامتنان عليهم بأن ما نزل عليهم هو رحمة بهم ومعنى الاختصاص جعلها لأحد دون غيره لأن أصل الاختصاص والتخصيص راجع إلى هذا المعنى أعني جعل الحكم خاصا غير عام سواء خص واحدا أو أكثر. ومفعول المشيئة محذوف كما هو الشأن فيه إذا تقدم عليه كلام أو تأخر عنه أي من يشاء اختصاصه بالرحمة.
والمشيئة هي الإرادة ولما كانت إرادة الله تتعلق بالمراد على وفق علمه تعالى كانت مشيئته أي إرادته جارية على وفق حكمته التي هي من كيفيات علم الله تعالى فهي من