خاص هو الأسلوب المعبر عنه بالتذكير وبالذكر في آيات يأتي تفسيرها ؛ فكان أسلوبه قاضيا للوطرين وكان أجل من أسلوب القصاصين في سوق القصص لمجرد معرفتها لأن سوقها في مناسباتها يكسبها صفتين : صفة البرهان وصفة التبيان ونجد من مميزات قصص القرآن نسج نظمها على أسلوب الإيجاز ليكون شبهها بالتذكير أقوى من شبهها بالقصص ، مثال ذلك قوله تعالى في سورة القلم : (فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) فقد حكيت مقالته هذه في موقع تذكيره أصحابه بها لأن ذلك ممن حكايتها ولم تحك أثناء قوله : (إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ) [القلم : ١٧] وقوله : (فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ) [القلم : ٢٢].
ومن مميزاتها طي ما يقتضيه الكلام الوارد كقوله تعالى في سورة يوسف (٢٥) : (وَاسْتَبَقَا الْبابَ) فقد طوي ذكر حضور سيّدها وطرقه الباب وإسراعهما إليه لفتحه ، فإسراع يوسف ليقطع عليها ما توسمه فيها من المكر به لتري سيدها أنّه بها سوءا ، وإسراعها هي لضد ذلك لتكون البادئة بالحكاية فتقطع على يوسف ما توسمته فيه من شكاية ، فدلّ على ذلك ما بعده من قوله : (وَأَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً) [يوسف : ٢٥] الآيات.
ومنها أنّ القصص بثت بأسلوب بديع إذ ساقها في مظان الاتعاظ بها مع المحافظة على الغرض الأصلي الذي جاء به القرآن من تشريع وتفريع فتوفرت من ذلك عشر فوائد :
الفائدة الأولى : أن قصارى علم أهل الكتاب في ذلك العصر كان معرفة أخبار الأنبياء وأيامهم وأخبار من جاورهم من الأمم ، فكان اشتمال القرآن على تلك القصص التي لا يعلمها إلا الراسخون في العلم من أهل الكتاب تحديا عظيما لأهل الكتاب ، وتعجيزا لهم بقطع حجتهم على المسلمين ، قال تعالى : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا) [هود : ٤٩] فكان حملة القرآن بذلك أحقّاء بأن يوصفوا بالعلم الذي وصفت به أحبار اليهود ، وبذلك انقطعت صفة الأمية عن المسلمين في نظر اليهود ، وانقطعت ألسنة المعرّضين بهم بأنهم أمة جاهلية ، وهذه فائدة لم يبينها من سلفنا من المفسرين.
الفائدة الثانية : أن من أدب الشريعة معرفة تاريخ سلفها في التشريع من الأنبياء بشرائعهم فكان اشتمال القرآن على قصص الأنبياء وأقوامهم تكليلا لهامة التشريع الإسلامي