مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً) [الشورى : ١٣] الآية.
والظاهر أن الإتيان بخير أو بمثل راجع إلى كل من النسخ والإنساء فيكون الإتيان بخير من المنسوخة أو المنساة أو بمثلها وليس الكلام من اللف والنشر. فقوله تعالى : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) هو إما إتيان تعويض أو إتيان تعزيز. وتوزيع هذا الضابط على الصور المتقدمة غير عزيز. والمعنى أنا لم نترك الخلق في وقت سدى ، وأن ليس في النسخ ما يتوهم منه البداء.
وفي الآية إيجاز بديع في التقسيم قد جمع هاته الصور التي سمعتموها وصورا تنشق منها لا أسألكموها لأنه ما فرضت منها صورة بعد هذا إلا عرفتموها.
ومما يقف منه الشعر ولا ينبغي أن يوجه إليه النظر ما قاله بعض المفسرين في قوله تعالى : (نُنْسِها) أنه إنساء الله تعالى المسلمين للآية أو للسورة ، أي إذهابها عن قلوبهم أو إنساؤه النبي صلىاللهعليهوسلم إياها فيكون نسيان الناس كلهم لها في وقت واحد دليلا على النسخ واستدلوا لذلك بحديث أخرجه الطبراني بسنده إلى ابن عمر قال «قرأ رجلان سورة أقرأهما إياها رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقاما ذات ليلة يصليان فلم يقدرا منها على حرف فغديا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم فذكرا ذلك له فقال لهما : «إنها مما نسخ وأنسي فالهوا عنها».
قال ابن كثير هذا الحديث في سنده سليمان بن أرقم وهو ضعيف وقال ابن عطية هذا حديث منكر أغرب به الطبراني وكيف خفي مثله على أئمة الحديث. والصحيح أن نسيان النبي ما أراد الله نسخه ولم يرد أن يثبته قرآنا جائز ، أي لكنه لم يقع فأما النسيان الذي هو آفة في البشر فالنبي معصوم عنه قبل التبليغ ، وأما بعد التبليغ وحفظ المسلمين له فجائز وقد روي أنه أسقط آية من سورة في الصلاة فلما فرغ قال لأبيّ لم لم تذكرني قال حسبت أنها رفعت قال : لا ولكني نسيتها ا ه.
والحق عندي أن النسيان العارض الذي يتذكر بعده جائز ولا تحمل عليه الآية لمنافاته لظاهر قوله : (نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها) وأما النسيان المستمر للقرآن فأحسب أنه لا يجوز. وقوله تعالى : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) [الأعلى : ٦] دليل عليه وقوله : (إِلَّا ما شاءَ اللهُ) [الأعلى : ٧] هو من باب التوسعة في الوعد وسيأتي بيان ذلك في سورة الأعلى. وأما ما ورد في «صحيح مسلم» عن أنس قال : كنا نقرأ سورة نشبهها في الطول ببراءة فانسيتها غير أني حفظت منها لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى لهما ثالثا وما يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب ا ه. فهو غريب وتأويله أن هنالك سورة