والاستفهام ملازم لما بعدها في الحالين. وهي هنا منقطعة لا محالة لأن الاستفهامين اللذين قبلها في معنى الخبر لأنهما للتقرير كما تقدم إلا أن وقوعهما في صورة الاستفهام ولو للتقرير يحسن موقع (أم) بعدهما كما هو الغالب والاستفهام الذي بعدهما هنا إنكار وتحذير ، والمناسبة في هذا الانتقال تامة فإن التقرير الذي قبلها مراد منه التحذير من الغلط وأن يكونوا كمن لا يعلم والاستفهام الذي بعدها مراد منه التحذير كذلك والمحذر منه في الجميع مشترك في كونه من أحوال اليهود المذمومة ولا يصح كون (أم) هنا متصلة لأن الاستفهامين اللذين قبلها ليسا على حقيقتهما لا محالة كما تقدم.
وقد جوز القزويني في «الكشف على الكشاف» كون (أم) هنا متصلة بوجه مرجوح وتبعه البيضاوي وتكلفا لذلك مما لا يساعد استعمال الكلام العربي ، وأفرط عبد الحكيم في «حاشية البيضاوي» فزعم أن حملها على المتصلة أرجح لأنه الأصل لا سيما مع اتحاد فاعل الفعلين المتعاطفين بأم ولدلالته على أنهم إذا سألوا سؤال قوم موسى فقد علموا أن الله على كل شيء قدير وإنما قصدوا التعنت وكان الجميع في غفلة عن عدم صلوحية الاستفهامين السابقين للحمل على حقيقة الاستفهام.
وقوله : (تُرِيدُونَ) خطاب للمسلمين لا محالة بقرينة قوله : (رَسُولَكُمْ) وليس كونه كذلك بمرجح كون الخطابين اللذين قبله متوجهين إلى المسلمين لأن انتقال الكلام بعد (أم) المنقطعة يسمح بانتقال الخطاب.
وقوله : (تُرِيدُونَ) يؤذن بأن السؤال لم يقع ولكنه ربما جاش في نفوس بعضهم أو ربما أثارته في نفوسهم شبه اليهود في إنكارهم النسخ وإلقائهم شبهة البداء ونحو ذلك مما قد يبعث بعض المسلمين على سؤال النبي صلىاللهعليهوسلم.
وقوله : (كَما سُئِلَ مُوسى) تشبيه وجهه أن في أسئلة بني إسرائيل موسى كثيرا من الأسئلة التي تفضي بهم إلى الكفر كقولهم : (اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ) [الأعراف : ١٣٨] أو من العجرفة كقولهم : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) [البقرة : ٥٥] فيكون التحذير من تسلسل الأسئلة المفضي إلى مثل ذلك. ويجوز كونه راجعا إلى أسئلة بني إسرائيل عما لا يعنيهم وعما يجر لهم المشقة كقولهم (ما لَوْنُها) [البقرة : ٦٩] و (ما هِيَ) [البقرة : ٧٠].
قال الفخر : إن المسلمين كانوا يسألون النبي صلىاللهعليهوسلم عن أمور لا خير لهم في البحث عنها ليعلموها كما سأل اليهود موسى ا ه. وقد ذكر غيره أسبابا أخرى للنزول ، منها : أن المسلمين سألوا النبي صلىاللهعليهوسلم في غزوة خيبر لما مروا بذات الأنواط التي كانت للمشركين أن