الشرك ولا يبقوا على هذه الحالة الحسنة الموافقة لدين موسى في معظمه نكاية بالمسلمين وبالنبيء صلىاللهعليهوسلم قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) [النساء : ٥١] وفي هذا المعنى المكتنز ما يدلكم على وجه التعبير ب (يَرُدُّونَكُمْ) دون لو كفرتم ليشار إلى أن ودادتهم أن يرجع المسلمون إلى الشرك لأن الرد إنما يكون إلى أمر سابق ولو قيل لو كفرتم لكان فيه بعض العذر لأهل الكتاب لاحتماله أنهم يودون مصير المسلمين إلى اليهودية. وبه يظهر وجه مجيء (كُفَّاراً) معمولا لمعمول (وَدَّ كَثِيرٌ) ليشار إلى أنهم ودوا أن يرجع المسلمون كفارا بالله أي كفارا كفرا متفقا عليه حتى عند أهل الكتاب وهو الإشراك فليس ذلك من التعبير عن ما صدق ما ودوه بل هو من التعبير عن مفهوم ما ودوه ، وبه يظهر أيضا وجه قوله تعالى : (مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُ) فإنه تبيّن أن ما عليه المسلمون حق من جهة التوحيد والإيمان بالرسل بخلاف الشرك ، أو من بعد ما تبين لهم صدق رسول الله صلىاللهعليهوسلم عندهم إذا كان المراد بالكثير منهم خاصة علمائهم والله مطلع عليهم.
و (لَوْ) هنا بمعنى أن المصدرية ولذلك يؤول ما بعدها بمصدر.
و (حَسَداً) حال من ضمير (وَدَّ) أي إن هذا الود لا سبب له إلا الحسد لا الرغبة في الكفر.
وقوله : (مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ) جيء فيه بمن الابتدائية للإشارة إلى تأصل هذا الحسد فيهم وصدوره عن نفوسهم. وأكد ذلك بكلمة (عند) الدالة على الاستقرار ليزداد بيان تمكنه وهو متعلق بحسدا لا بقوله : (وَدَّ).
وإنّما أمر المسلمون بالعفو والصفح عنهم في هذا الموضع خاصة لأن ما حكى عن أهل الكتاب هنا مما يثير غضب المسلمين لشدة كراهيتهم للكفر قال تعالى : (وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ) [الحجرات : ٧] فلا جرم أن كان من يود لهم ذلك يعدونه أكبر أعدائهم فلما كان هذا الخبر مثيرا للغضب خيف أن يفتكوا باليهود وذلك ما لا يريده الله منهم لأن الله أراد منهم أن يكونوا مستودع عفو وحلم حتى يكونوا قدوة في الفضائل.
والعفو ترك عقوبة المذنب. والصفح ـ بفتح الصاد ـ مصدر صفح صفحا إذا أعرض لأن الإنسان إذا أعرض عن شيء ولاه من صفحة وجهه ، وصفح وجهه أي جانبه وعرضه وهو مجاز في عدم مواجهته بذكر ذلك الذنب أي عدم لومه وتثريبه عليه وهو أبلغ من العفو كما نقل عن الراغب ولذلك عطف الأمر به على الأمر بالعفو لأن الأمر بالعفو لا