وقوله : (قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ) أمر بأن يجابوا بهذا ولذلك فصله لأنه في سياق المحاورة كما تقدم عند قوله : (قالُوا أَتَجْعَلُ فِيها) [البقرة : ٣٠] الآية وأتى بإن المفيدة للشك في صدقهم مع القطع بعدم الصدق لاستدراجهم حتى يعلموا أنهم غير صادقين حين يعجزون عن البرهان لأن كل اعتقاد لا يقيم معتقده دليل اعتقاده فهو اعتقاد كاذب لأنه لو كان له دليل لاستطاع التعبير عنه ومن باب أولى لا يكون صادقا عند من يريد أن يروج عليه اعتقاده.
و (بلى) إبطال لدعواهما. و (بلي) كلمة يجاب بها المنفي لإثبات نقيض النفي وهو الإثبات سواء وقعت بعد استفهام عن نفي وهو الغالب أو بعد خبر منفي نحو (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى) [القيامة : ٣ ، ٤] ، وقول أبي حية النميري :
يخبرك الواشون أن لن أحبكم |
|
بلى وستور الله ذات المحارم |
وقوله : (مَنْ أَسْلَمَ) جملة مستأنفة عن (بلى) لجواب سؤال من يتطلب كيف نقض نفي دخول الجنة عن غير هذين الفريقين أريد بها بيان أن الجنة ليست حكرة لأحد ولكن إنما يستحقها من أسلم إلخ لأن قوله : (فَلَهُ أَجْرُهُ) هو في معنى له دخول الجنة وهو جواب الشرط لأن (من) شرطية لا محالة. ومن قدر هنا فعلا بعد (بلى) أي يدخلها من أسلم فإنما أراد تقدير معنى لا تقدير إعراب إذ لا حاجة للتقدير هنا.
وإسلام الوجه لله هو تسليم الذات لأوامر الله تعالى أي شدة الامتثال لأن أسلم بمعنى ألقى السلاح وترك المقاومة قال تعالى : (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ) [آل عمران : ٢٠]. والوجه هنا الذات عبر عن الذات بالوجه لأنه البعض الأشرف من الذات كما قال الشنفري :
إذا قطعوا رأسي وفي الرأس أكثري (١)
ومن إطلاق الوجه على الذات قوله تعالى : (وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) [الرحمن : ٢٧]. وأطلق الوجه على الحقيقة تقول جاء بالأمر على وجهه أي على حقيقته قال الأعشى :
__________________
(١) مصراع بيت وتمامه :
وغودر عند الملتقى ثمّ سائري