في قوله تعالى : (صُمٌّ بُكْمٌ) [البقرة : ١٨] وذلك من جنس ما يسمونه بالنعت المقطوع.
والبديع مشتق من الإبداع وهو الإنشاء على غير مثال فهو عبارة عن إنشاء المنشآت على غير مثال سابق وذلك هو خلق أصول الأنواع وما يتولد من متولّداتها ، فخلق السماوات إبداع وخلق الأرض إبداع وخلق آدم إبداع وخلق نظام التناسل إبداع. وهو فعيل بمعنى فاعل فقيل هو مشتق من بدع المجرد مثل قدر إذا صح وورد بدع بمعنى قدر بقلة أو هو مشتق من أبدع ومجيء فعيل من أفعل قليل ، ومنه قول عمرو بن معديكرب :
أمن ريحانة الداعي السميع |
|
يؤرقني وأصحابي هجوع (١) |
يريد المسمع ، ومنه أيضا قول كعب بن زهير :
سقاك بها المأمون كأسا رويّة |
|
فانهلك المأمون منها وعلّك |
أي كأسا مروية. فيكون هنا مما جاء قليلا وقد قدمنا الكلام عليه في قوله تعالى : (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [البقرة : ٣٢] ويأتي في قوله : (بَشِيراً وَنَذِيراً) [البقرة : ١١٩]. وقد قيل في البيت تأويلات متكلفة والحق أنه استعمال قليل حفظ في ألفاظ من الفصيح غير قليلة مثل النذير والبشير إلا أن قلته لا تخرجه عن الفصاحة لأن شهرته تمنع من جعله غريبا. وأما كونه مخالفا للقياس فلا يمنع من استعماله إلا بالنسبة إلى المولّد إذا أراد أن يقيس عليه في مادة أخرى.
وذهب صاحب «الكشاف» إلى أن بديع هنا صفة مشبهة مأخوذ من بدع بضم الدال أي كانت البداعة صفة ذاتية له بتأويل بداعة السماوات والأرض التي هي من مخلوقاته فأضيفت إلى فاعلها الحقيقي على جعله مشبها بالمفعول به وأجريت الصفة على اسم
__________________
(١) أغار الصمة بن بكر الجشمي في خيل من قيس على بني زبيد رهط عمرو فسبى الصمة بن بكر ريحانة أخت عمرو ولم يستطع عمرو افتكاكها منه ، فرغب من الصمة أن يردها إليه فأبى وذهب بها وهي تنادي يا عمرو يا عمرو فقال عمرو هاته الأبيات وبعدها :
سباها الصّمّة الجشميّ غصبا |
|
كأنّ بياض غرتها صديع |
وحالت دونها فرسان قيس |
|
تكشّف عن سواعدها الدروع |
إذا لم تستطع شيئا فدعه |
|
وجاوزه إلى ما تستطيع |
وكله للزمان فكل خطب |
|
سما لك أو سموت له ولوع |
هذا هو الصحيح وللرواة في هذه القصة اختلافات لا يعتد بها.