لا يقولها أهل الكتاب الذين أثبتوا الرسالة والحاجة إلى الرسل.
وقوله : (أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ) أرادوا مطلق آية فالتنكير للنوعية وحينئذ فهو مكابرة وجحود لما جاءهم من الآيات وحسبك بأعظمها وهو القرآن وهذا هو الظاهر من التنكير وقد سألوا آيات مقترحات (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً) [الإسراء : ٩٠] الآيات وهم يحسبون أن الآيات هي عجائب الحوادث أو المخلوقات وما دروا أن الآية العلمية العقلية أوضح المعجزات لعمومها ودوامها وقد تحداهم الرسول بالقرآن فعجزوا عن معارضته وكفاهم بذلك آية لو كانوا أهل إنصاف.
وقوله : (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ) أي كمثل مقالتهم هذه قال الذين من قبلهم من الأمم مثل قولهم. والمراد بالذين من قبلهم اليهود والنصارى فقد قال اليهود لموسى : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) [البقرة : ٥٥] وسأل النصارى عيسى (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) [المائدة : ١١٢].
وفي هذا الكلام تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم بأن ما لقيه من قومه مثل ما لاقاه الرسل قبله ولذلك أردفت هذه الآية بقوله : (إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِ) [البقرة : ١١٩] الآية. ثم يجوز أن تكون جملة (كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ) واقعة موقع الجواب لمقالة الذين لا يعلمون وهو جواب إجمالي اقتصر فيه على تنظير حالهم بحال من قبلهم فيكون ذلك التنظير كناية عن الإعراض عن جواب مقالهم وأنه لا يستأهل أن يجاب لأنهم ليسوا بمرتبة من يكلمهم الله وليست أفهامهم بأهل لإدراك ما في نزول القرآن من أعظم آية وتكون جملة (تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) تقريرا أي تشابهت عقولهم في الأفن وسوء النظر ، وتكون جملة (قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) تعليلا للإعراض عن جوابهم بأنهم غير أهل للجواب لأن أهل الجواب هم القوم الذين يوقنون وقد بينت لهم آيات القرآن بما اشتملت عليه من الدلائل ، وأما هؤلاء فليسوا أهلا للجواب لأنهم ليسوا بقوم يوقنون بل ديدنهم المكابرة.
ويجوز أن تكون جملة (كَذلِكَ) (قال) إلى آخرها معترضة بين جملة (وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) وبين جملة (قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ) وتجعل جملة (قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ) هي الجواب عن مقالتهم. والمعنى لقد أتتكم الآية وهي آيات القرآن ولكن لا يعقلها إلا الذين يوقنون أي دونكم فيكون على وزان قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ) [العنكبوت : ٥١]. ووقع الإعراض عن جواب قولهم (لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ) لأنه بديهي البطلان كما قال تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى