[البقرة : ٩١] إلخ. وهو صدر هاته المحاورات وما تخللها من الأمثال والعبر والبيان. فقوله : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) فذلكة لما تقدم وجواب قاطع لمعذرتهم المتقدمة ، وهو من باب رد العجز على الصدر. ولأحد هذين الوجهين فصلت الجملة ولم تعطف لأنها في معنى الجواب ، ولأن المحكي بها مباين لما يقابله المتضمن له قوله : (قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا) ولما انتقل منه إليه وهو قوله : (وَقالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً) [البقرة : ١١٦] وقوله : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [البقرة : ١١٨]. وقوله : (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) حال من الذين أوتوا الكتاب إذ هم الآن يتلونه حق تلاوته. وانتصب (حَقَّ تِلاوَتِهِ) على المفعول المطلق وإضافته إلى المصدر من إضافة الصفة إلى الموصوف أي تلاوة حقا.
و (الحق) هنا ضد الباطل أي تلاوة مستوفية قوام نوعها لا ينقصها شيء مما يعتبر في التلاوة وتلك هي التلاوة بفهم مقاصد الكلام المتلو فإن الكلام يراد منه إفهام السامع فإذا تلاه القارئ ولم يفهم جميع ما أراده قائله كانت تلاوته غامضة ، فحق التلاوة هو العلم بما في المتلو.
وقوله : (أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ) جملة هي خبر المبتدأ وهو اسم الموصول ، وجيء باسم الإشارة في تعريفهم دون الضمير وغيره للتنبيه على أن الأوصاف المتقدمة التي استحضروا بواسطتها حتى أشير إليهم باتصافهم بها هي الموجبة لجدارتهم بالحكم المسند لاسم الإشارة على حد (أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ) [البقرة : ٥] فلا شك أن تلاوتهم الكتاب حق تلاوته تثبت لهم أوحديّتهم بالإيمان بذلك الكتاب لأن إيمان غيرهم به كالعدم. فالقصر ادعائي. فضمير (بِهِ) راجع إلى (الكتاب) من قوله : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ). وإذا كانوا هم المؤمنين به كانوا مؤمنين بمحمد صلىاللهعليهوسلم لانطباق الصفات التي في كتبهم عليه ولأنهم مأخوذ عليهم العهد أن يؤمنوا بالرسول المقفى وأن يجتهدوا في التمييز بين الصادق من الأنبياء والكذبة حتى يستيقنوا انطباق الصفات على النبي الموعود به فمن هنا قال بعض المفسرين إن ضمير (بِهِ) عائد إلى النبي صلىاللهعليهوسلم مع أنه لم يتقدم له معاد.
ويجوز أن يعود الضمير من قوله : (يُؤْمِنُونَ بِهِ) إلى الهدي في قوله : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) [البقرة : ١٢٠] أي يؤمنون بالقرآن أنه منزل من الله فالضمير المجرور بالباء راجع للكتاب في قوله : (آتَيْناهُمُ الْكِتابَ) والمراد به التوراة والإنجيل واللام للجنس ، أو التوراة فقط لأنها معظم الدينين والإنجيل تكملة فاللام للعهد. ومن هؤلاء عبد الله بن سلام من اليهود وعدي بن حاتم وتميم الداري من النصارى.