الشفعاء فإذا لم تقبل شفاعتهم عرضوا الفداء.
وقوله : (وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ) مراد منه أنه لا عدل فيقبل ولا شفاعة شفيع يجدونه فتقبل شفاعته لأن دفع الفداء متعذر وتوسط الشفيع لمثلهم ممنوع إذ لا يشفع الشفيع إلا لمن أذن الله له. قال ابن عرفة فيكون نفي نفع الشفاعة هنا من باب قوله :
على لاحب لا يهتدى بمناره (١)
يريد أنها كناية عن نفي الموصوف بنفي صفته الملازمة له كقولهم :
ولا ترى الضب بها ينجحر (٢)
وهو ما يعبر عنه المناطقة بأن السالبة تصدق مع نفي الموضوع وإنما يكون ذلك بطريق الكناية وأما أن يكون استعمالا في أصل العربية فلا والمناطقة تبعوا فيه أساليب اليونان.
والقول في بقية الآيات مستغنى عنه بما تقدم في نظيرتها.
وهنا ختم الحجاج مع أهل الكتاب في هذه السورة وذلك من براعة المقطع.
__________________
(١) قائله امرؤ القيس ، وقبله :
وإني زعيم إن رجعت مملكا |
|
بسير ترى منه الفرانق أزدرا |
على لاحب إلخ ... |
|
إذا سافه العوذ الديافي جرجرا |
الفرانق بضم الفاء وكسر النون هو الذي يدل صاحب البريد. وأزدرا أفعل تفضيل لغة في أصدرا قرئ بها قوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً) [الزلزلة : ٤]. اللاحب : الطريق الواسع.
والمنار : العلامة. وسافه : شده. والديافي منسوب إلى دياف ـ بكسر الدال ـ قرية تنسب لها كرام الإبل. وجرجرا : أي صوت. والمعنى أنه يعدانه إذا رجع ليعيدن السير في طريق صعبة المسالك.
وفي «شرح التفتازانيّ على المفتاح» في باب الإيجاز والإطناب ذكر أول هذا البيت هكذا :
سدا بيديه ثم أج بسيره |
|
على لاحب ... إلخ. |
قال وهو في وصف ظليم وسدا بمعنى مد وهو مجاز عن السرعة. وأج الظليم إذا جرى وسمع له حفيف.
(٢) ينجحر أي يدخل جحره وهو بجيم ثم حاء. وقيل هذا المصراع قوله :
لا تفزع الأرنب أهوالها
كذا في «شرح التفتازانيّ على المفتاح» في باب الإيجاز.