من أحكام الأمن في الإسلام في كل مكان وتم مراد الله تعالى ، فلا يريبكم ما حدث في المسجد الحرام من الخوف في حصار الحجاج في فتنة ابن الزبير ولا ما حدث فيه من الرعب والقتل والنهب في زمن القرامطة حين غزاه الحسن ابن بهرام الجنابي (نسبة إلى بلدة يقال لها جنابة بتشديد النون) كبير القرامطة إذ قتل بمكة آلافا من الناس وكان يقول لهم يا كلاب أليس قال لكم محمد المكي (وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) [آل عمران : ٩٧] أيّ أمن هنا؟ وهو جاهل غبي لأن الله أراد الأمر بأن يجعل المسجد الحرام مأمنا في مدة الجاهلية إذ لم يكن للناس وازع عن الظلم ، أو هو خبر مراد به الأمر مثل (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) [البقرة : ٢٢٨].
وقوله : (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) قرأه نافع وابن عامر بصيغة الماضي عطفا على (جَعَلْنَا) فيكون هذا الاتخاذ من آثار ذلك الجعل فالمعنى ألهمنا الناس أن يتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ، أو أمرناهم بذلك على لسان إبراهيم فامتثلوا واتخذوه ، فهو للدلالة على حصول الجعل بطريق دلالة الاقتضاء فكأنه قيل جعلنا ذلك فاتخذوا ، وقرأه باقي العشرة بكسر الخاء بصيغة الأمر على تقدير القول أي قلنا اتخذوا بقرينة الخطاب فيكون العامل المعطوف محذوفا بالقرينة وبقي معموله كقول لبيد :
فعلا فروع الأيهقان وأطفلت |
|
بالجلهتين ظباؤها ونعامها |
أراد وباضت نعامها فإنه لا يقال لأفراخ الطير أطفال ، فمآل القراءتين إلى مفاد واحد.
ومقام إبراهيم يطلق على الكعبة لأن إبراهيم كان يقوم عندها يعبد الله تعالى ويدعو إلى توحيده ، قال زيد بن عمرو بن نفيل :
عذت بما عاذ به إبراهم |
|
مستقبل الكعبة وهو قائم |
وبهذا الإطلاق جاء في قوله تعالى : (مَقامُ إِبْراهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً) [آل عمران : ٩٧] إذ الدخول من علائق البيت ، ويطلق مقام إبراهيم على الحجر الذي كان يقف عليه إبراهيم عليهالسلام حين بنائه الكعبة ليرتفع لوضع الحجارة في أعلى الجدار كما أخرجه البخاري ، وقد ثبتت آثار قدميه في الحجر. قال أنس بن مالك رأيت في المقام أثر أصابعه وأخمص قدميه غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم ، وهذا الحجر يعرف إلى اليوم بالمقام ، وقد ركع النبي صلىاللهعليهوسلم في موضعه ركعتين بعد طواف القدوم فكان الركوع عنده من سنة الفراغ من الطواف.