إبراهيم ولم يلقب به دين آخر لأن الله أراد أن يكون الدين المحمدي إتماما للحنيفية دين إبراهيم وسيجيء بيان لهذا عند قوله تعالى : (ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا) في سورة آل عمران [٦٧].
ومعنى طلب أن يجعلهما مسلمين هو طلب الزيادة في ما هما عليه من الإسلام وطلب الدوام عليه ، لأن الله قد جعلهما مسلمين من قبل كما دل عليه قوله : (إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ) [البقرة : ١٣١] الآية.
وقوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) يتعين أن يكون (مِنْ ذُرِّيَّتِنا) و (مُسْلِمَةً) معمولين لفعل (وَاجْعَلْنا) بطريق العطف ، وهذا دعاء ببقاء دينهما في ذريتهما ، و (من) في قوله : (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا) للتبعيض ، وإنما سألا ذلك لبعض الذرية جمعا بين الحرص على حصول الفضيلة للذرية وبين الأدب في الدعاء لأن نبوءة إبراهيم تقتضي علمه بأنه ستكون ذريته أمما كثيرة وأن حكمة الله في هذا العالم جرت على أنه لا يخلو من اشتماله على الأخيار والأشرار فدعا الله بالممكن عادة ، وهذا من أدب الدعاء وقد تقدم نظيره في قوله تعالى : (قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي) [البقرة : ١٢٤].
ومن هنا ابتدئ التعريض بالمشركين الذين أعرضوا عن التوحيد واتبعوا الشرك ، والتمهيد لشرف الدين المحمدي.
والأمة اسم مشترك يطلق على معان كثيرة والمراد منها هنا الجماعة العظيمة التي يجمعها جامع له بال من نسب أو دين أو زمان ، ويقال أمة محمد مثلا للمسلمين لأنهم اجتمعوا على الإيمان بنبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهي بزنة فعله وهذه الزنة تدل على المفعول مثل لقطة وضحكة وقدوة ، فالأمة بمعنى مأمومة اشتقت من الأم بفتح الهمزة وهو القصد ، لأن الأمة تقصدها الفرق العديدة التي تجمعها جامعة الأمة كلها ، مثل الأمة العربية لأنها ترجع إليها قبائل العرب ، والأمة الإسلامية لأنها ترجع إليها المذاهب الإسلامية ، وأما قوله تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) [الأنعام : ٣٨] فهو في معنى التشبيه البليغ أي كأمم إذا تدبرتم في حكمة إتقان خلقهم ونظام أحوالهم وجدتموه كأمم أمثالكم لأن هذا الاعتبار كان الناس في غفلة عنه.
وقد استجيبت دعوة إبراهيم في المسلمين من العرب الذين تلاحقوا بالإسلام قبل الهجرة وبعدها حتى أسلم كل العرب إلا قبائل قليلة لا تنخرم بهم جامعة الأمة ، وقد أشار إلى هذا المعنى قوله تعالى : (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ) [البقرة : ١٢٩] ، وأما من