وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٢٩))
كرر النداء لأنه عطف غرض آخر في هذا الدعاء وهو غرض الدعاء بمجيء الرسالة في ذريته لتشريفهم وحرصا على تمام هديهم.
وإنما قال : (فِيهِمْ) ولم يقل لهم لتكون الدعوة بمجيء رسول برسالة عامة فلا يكون ذلك الرسول رسولا إليهم فقط ، ولذلك حذف متعلق (رَسُولاً) ليعم ، فالنداء في قوله : (رَبَّنا وَابْعَثْ) اعتراض بين جمل الدعوات المتعاطفة ، ومظهر هذه الدعوة هو محمد صلىاللهعليهوسلم فإنه الرسول الذي هو من ذرية إبراهيم وإسماعيل كليهما ، وأما غيره من رسل غير العرب فليسوا من ذرية إسماعيل ، وشعيب من ذرية إبراهيم وليس من ذرية إسماعيل ، وهود وصالح هما من العرب العاربة فليسا من ذرية إبراهيم ولا من ذرية إسماعيل.
وجاء في التوراة (في الإصحاح ١٧ من التكوين) «ظهر الرب لإبرام أي إبراهيم» وقال له : أنا الله القدير سر أمامي وكن كاملا فأجعل عهدي بيني وبينك وأكثرك كثيرا جدا وفي فقرة ٢٠ وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدا». وذكر عبد الحق الإسلامي السبتي الذي كان يهوديا فأسلم هو وأولاده وأهله في سبتة وكان موجودا بها سنة ٧٣٦ ست وثلاثين وسبعمائة في كتاب له سماه «الحسام المحدود في الرد على اليهود» : أن كلمة كثيرا جدا أصلها في النص العبراني «مادا مادا» وأنها رمز في التوراة لاسم محمد بحساب الجمّل لأن عدد حروف «مادا مادا» بحساب الجمّل عند اليهود تجمع عدد اثنين وتسعين وهو عدد حروف محمد ا ه وتبعه على هذا البقاعي في «نظم الدرر».
ومعنى (يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ) يقرؤها عليهم قراءة تذكير ، وفي هذا إيماء إلى أنه يأتيهم بكتاب فيه شرع. فالآيات جمع آية وهي الجملة من جمل القرآن ، سميت آية لدلالتها على صدق الرسول بمجموع ما فيها من دلالة صدور مثلها من أمي لا يقرأ ولا يكتب ، وما نسجت عليه من نظم أعجز الناس عن الإتيان بمثله ، ولما اشتملت عليه من الدلالة القاطعة على توحيد الله وكمال صفاته دلالة لم تترك مسلكا للضلال في عقائد الأمة بحيث أمنت هذه الأمة من الإشراك ، قال النبي صلىاللهعليهوسلم في خطبة حجة الوداع «إن الشيطان قد يئس أن يعبد في بلدكم هذا».
وجيء بالمضارع في قوله : (يَتْلُوا) للإشارة إلى أن هذا الكتاب تتكرر تلاوته.