ما اعتقدتم خلافها فلما اعتقدوا اعتقادا كالضروري وبخهم وأنكر عليهم حتى يرجعوا إلى النظر في الطرق التي استندوا إليها فيعلموا أنها طرق غير موصلة ، وبهذا تعلمون وجهة الاقتصار على نفي الحضور مع أن نفي الحضور لا يدل على كذب المدعى لأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود ، فالمقصود هنا الاستدراج في إبطال الدعوى بإدخال الشك على مدعيها.
وقوله تعالى : (إِذْ قالَ لِبَنِيهِ) بدل من (إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ) وفائدة المجيء بالخبر على هذه الطريقة دون أن يقال أم كنتم شهداء إذ قال يعقوب لبنيه عند الموت ، هي قصد استقلال الخبر وأهمية القصة وقصد حكايتها على ترتيب حصولها ، وقصد الإجمال ثم التفصيل لأن حالة حضور الموت لا تخلو من حدث هام سيحكى بعدها فيترقبه السامع.
وهذه الوصية جاءت عند الموت وهو وقت التعجيل بالحرص على إبلاغ النصيحة في آخر ما يبقى من كلام الموصى فيكون له رسوخ في نفوس الموصين ، أخرج أبو داود والترمذي عن العرباض بن سارية قال : «وعظنا رسول الله موعظة وجلت منها القلوب وذرفت منها العيون فقلنا يا رسول الله كأنها موعظة مودّع فأوصنا» الحديث.
وجاء يعقوب في وصيته بأسلوب الاستفهام لينظر مقدار ثباتهم على الدين حتى يطّلع على خالص طويتهم ليلقي إليهم ما سيوصيهم به من التذكير وجيء في السؤال بما الاستفهامية دون من لأن ما هي الأصل عند قصد العموم لأنه سألهم عما يمكن أن يعبده العابدون.
واقترن ظرف (بَعْدِي) بحرف (من) لقصد التوكيد فإن (من) هذه في الأصل ابتدائية فقولك : جئت من بعد الزوال يفيد أنك جئت في أول الأزمنة بعد الزوال ثم عوملت معاملة حرف تأكيد.
وبنو يعقوب هم الأسباط أي أسباط إسحاق ومنهم تشعبت قبائل بني إسرائيل وهم اثنا عشر ابنا : رأوبين ، وشمعون ، ولاوى ، ويهوذا ، ويساكر ، وزبولون ، (وهؤلاء أمهم ليئة) ويوسف وبنيامين (أمهما راحيل) ودان ونفتالي (أمهما بلهة) وجاد وأشير (أمهما زلفة).
وقد أخبر القرآن بأن جميعهم صاروا أنبياء وأن يوسف كان رسولا.