يبتعد عن الاستغراق في ذاته ، باستغراقه بالخضوع لربه. وهذا ما يؤدي إلى السّلام مع نفسه ومع ربه ومع الناس ومع الطبيعة والحياة كلها.
وبذلك اختلف مفهومهم لكلمة : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ، لأنّ التفسير الأوّل لكلمة السلم يخلق مشكلة بيانية ؛ فإذا كانوا مؤمنين ، فكيف يطلب منهم أن يدخلوا في الإسلام؟! فحاول بعضهم أن يفسر (الَّذِينَ آمَنُوا) ، بمن آمن قولا لا عقيدة وهم المنافقون ، وبذلك تكون الدعوة في الآية إلى الالتزام العملي بالإسلام والإيمان به.
وذكر الطبرسي في تفسيره أن المراد به : دوموا في ما دخلتم فيه كقوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ) (١) [النساء : ١٣٦].
وحاول البعض أن يفسره بأهل الكتاب ، فتكون دعوة إلى دخولهم في الإسلام. ولكننا لا نجد في جو الآية ما يوحي بأي من المعنيين ، بل ربما نلاحظ في استعراضنا للآيات التي استعملت فيها كلمة السلم أن الأقرب إلى الجو هو المعنى الثاني. كما نلاحظ على التفسيرين لكلمة (الَّذِينَ آمَنُوا) ، أن الظاهر من الآية الكريمة : (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات : ١٤] هو إرادة الإيمان الذي يطابق فيه القول الفعل ، فكيف نحمل الكلمة على خلاف ذلك؟ أما حملها على أهل الكتاب ، فيتنافى مع المصطلح القرآني الذي جعل كلمة (الَّذِينَ آمَنُوا) مقابلة لأهل الكتاب والمشركين ، كما توحي به الآية الكريمة : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصارى) [الحج : ١٧] وفي ضوء ذلك ، لا نجد هناك وجها يبرر إرادة معنى الإسلام من كلمة (السِّلْمِ) ، مما يعني عودة المشكلة البيانية من جديد ، كما أن حمل كلمة الدخول على الدوام في ما دخلتم فيه خلاف الظاهر من دون قرينة.
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ٢ ، ص : ٥٣٦.