الوصول إلى الحق التي قد تتنوع تبعا لتنوع الثقافة أو النظرة إلى الأمور ، بل كان اختلافهم نتيجة البغي والحقد والعداوة في ما بينهم كنتيجة طبيعية للعلاقات المتأزمة الخاضعة لأسباب غير شرعية. وهكذا امتد هؤلاء في خلافاتهم حتى حولوا الساحة البشرية إلى قاعدة للتنازع والتجاذب والخصام.
أما المؤمنون ، فلم يستسلموا للخلافات ولم يركنوا إليها ، بل عملوا بكل ما لديهم من جهد وقوة على اكتشاف الحق من خلال علاماته التي هداهم الله إليها في ما أنزله من الحق والهدى ، فساروا في طريقه ، واستسلموا له ، وتركوا كل فئات البغي والفساد تتخبط في ضلالها ، بعد ما حاولوا القضاء عليها فلم يتمكنوا من ذلك ، فأقبلوا على ما هم فيه مما أوكله الله لهم من شؤون المسؤولية في طاعته في ما يتعلق بقضاياهم وقضايا الناس ، وذلك هو شأن الله في هدايته للناس لمن يشاء هدايته إلى الصراط المستقيم ، فإنه يهيّئ لهم كل وسائل الهداية من داخل أنفسهم ومن خارجها ليختاروا السير معها من موقع قناعتهم القائمة على الوعي والإيمان والإرادة.
وهكذا (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) أي على ملة واحدة ، أو جماعة واحدة مرتبطة بالفطرة التي لا تنطلق في خط التفاصيل الفكرية المنفتحة على المنهج العملي في الخط الواحد ، بل كانت تتحرك من خلال العفوية الطبيعية في حركة الفعل ورد الفعل ، فلم يكونوا مهتدين أو ضالين في مصطلح الهدى والضلال في الرسالات ، لأنهم لم يكونوا قد التقوا بها ؛ فلم تكن هناك نبوّات تحمل كتبا سماوية لأن آدم عليهالسلام لم يكن صاحب رسالة تفصيلية في نبوّته ، لكنهم كانوا ضلالا بالمعنى السلبي ، بمعنى فقدانهم للهداية الرسالية التفصيلية التي تنظم لهم القواعد والمفاهيم والشرائع والمناهج ، وتخطط لهم الوسائل والأهداف ، على طريقة قوله تعالى : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) [الضحى : ٧] فإن المراد من الضلالة هو عدم الاهتداء لفقدان الهدى الرسالي في التفاصيل ، لا الضلال بالمعنى الإيجابي المضاد ، لأن النبي محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يكن ضالا بهذا المعنى ،