وهذا ما عبّر عنه الحديث المروي عن الإمام الباقر عليهالسلام الذي نقله الطبرسي في مجمع البيان فقال : «وروى أصحابنا عن أبي جعفر الباقر عليهالسلام أنه قال : كانوا قبل نوح أمّة واحدة على فطرة الله ، لا مهتدين ولا ضلّالا ، فبعث الله النبيين. ويتابع صاحب المجمع هذا الحديث فيعلق عليه قائلا : وعلى هذا ، فالمعنى أنهم كانوا متعبدين بما في عقولهم ، غير مهتدين إلى نبوة ولا شريعة ، ثم بعث الله النبيين بالشرائع لما علم أن مصالحهم فيها» (١). وهذا ما عبّر عنه الإمام جعفر الصادق ، حسب الرواية المروية عنه ، بطريقة أخرى قال : ـ في ما نقله يعقوب بن شعيب الذي سأله عن قول الله : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) ـ كان هذا قبل نوح أمة واحدة عند الله فأرسل الرسل قبل نوح ، قلت : أعلى هدى كانوا أم على ضلال؟ قال : بل كانوا ضلّالا ، كانوا لا مؤمنين ولا كافرين ولا مشركين (٢).
وفي ضوء ذلك ، فإن هذه الحالة الفطرية الطبيعية التي يستوحيها الناس في ما يفكرون به أو ما يعملونه بطريقة ضبابية ، لا بد من أن تخلق المشاكل للمجتمع ؛ لأن الخلافات الناشئة بين أفراده من خلال تشابك العلاقات وتعقيد الأوضاع في حاجاتهم المشتركة ، وأعمالهم المتنوعة التي تمثل حاجة بعضهم إلى البعض الآخر ، واستخدام بعضهم بعضا ، وخلافاتهم المختلفة ، لا بد من أن تخلق المشاكل الكثيرة لديهم لفقدان الحلول التفصيلية التي تضع الأمور في نصابها الصحيح ، وتفتح المشاكل على الحلول الواقعية ؛ الأمر الذي جعل إرسال الأنبياء ضرورة حية لتحقيق التوازن الاجتماعي على قاعدة ربط الدنيا بالآخرة ، واعتبار الجزاء في يوم القيامة ـ في ثوابه وعقابه ـ حافزا للناس للانضباط على الخط المستقيم ، ليستقيم الهدى على قاعدة ثابتة في منهج الرسالة وفي التطلع إلى اليوم الآخر.
__________________
(١) مجمع البيان ، ج : ٢ ، ص : ٥٤٣.
(٢) انظر : تفسير الميزان ، ج : ٢ ، ص : ١٤٥.