والإنذار وإنزال الكتاب ـ وهذا هو الوحي ـ ليبينوا للناس الحق في الاعتقاد والحق في العمل. وبعبارة أخرى ، لهداية الناس إلى حق الاعتقاد وحق العمل ، وهذا هو غرضه سبحانه في بعثهم ، وقد قال تعالى : (لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسى) [طه : ٥٢] ، فبيّن أنه لا يضل في فعله ولا يخطئ في شأنه. فإذا أراد شيئا فإنما يريده من طريقه الموصل إليه من غير خطأ ، وإذا سلك بفعل إلى غاية ، فلا يضل في سلوكه ، وكيف لا ، وبيده الخلق والأمر ، وله الملك والحكم ، وقد بعث الأنبياء بالوحي إليهم وتفهيمهم معارف الدين ، وبالرسالة لتبليغها للناس. وقال تعالى أيضا : (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً) [الطلاق : ٣] ، وقال أيضا : (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ) [يوسف : ٢١]» (١).
ونلاحظ على ذلك ، أنّ ما ذكره لا يلازم ما ذكره من العصمة عن الخطأ في التبليغ ، فإنّ هداية الناس إلى حق الاعتقاد وحق العمل ، كما أنّ الحديث عن «أنّ الله إذا أراد شيئا فإنما يريده من طريقه الموصل إليه من غير خطأ وإذا سلك بفعل إلى غاية ، فلا يضل في سلوكه» لا يقتضي إلا أن يصل الوحي إلى الناس لهدايتهم كاملا غير منقوص ، وهذا ما يؤكد وصوله عن طريقه من غير خطأ ، ولا ملازمة بين ذلك وبين العصمة ، فإن من الممكن ـ من الناحية التجريدية ـ أن يخطئ النبي في تبليغ آية أو ينساها ، في وقت معين ، ليصحح ذلك ويصوّبه بعد ذلك ، لتأخذ الآية صيغتها الكاملة الصحيحة. وإذا قيل : إن احتمال الخطأ والنسيان إذا كان واردا في الحالة الأولى ، فهو موجود في الحالة الثانية ، مما يؤدي إلى فقدان الأساس الذي يحصل من خلاله الإيمان بواقع الآية في الوحي المنزل ، فلا يصير الإنسان إلى يقين بذلك؟! فإن الجواب هو : من الممكن تقديم القرائن القطعية في الحالة الثانية ، التي تؤدي إلى اليقين ، تماما كما قيل في مسألة سهو النبي ، في رأي الشيخ الصدوق على أساس بعض الروايات التي أوضح النبي فيها القضية من دون لبس بالطريقة التي اقتنع فيها
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ٢ ، ص : ١٣٦ ـ ١٣٧.