الخائف الفزع ، لا من ضعف الإيمان. ولذلك لم يعاتبهم الله على ذلك ، ولم ينقص من قدرهم. بل ربما نستوحي من الآية أنها تؤكد على القيمة الإيمانية لموقفهم الجهادي الصعب الذي جعلهم في موقع الزلزال الداخلي ، ولذا وعدهم الله بالنصر القريب كدلالة على سلامة عملهم وتقييم جهادهم.
(أَمْ حَسِبْتُمْ) هل ظننتم أيها المسلمون ، الذين تتحركون في دروب الدعوة ، وتعيشون أمام ساحات التحدي ـ والاستفهام استنكاري أو تعجبي ـ (أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ) التي تتمنونها كهدف لكل نشاطاتكم وحركتكم في الحياة ، لتكون النهاية السعيدة للمصير الذي ينتظره الجميع؟! ولكن هل تنال الجنة بالتمنيات ، والأحلام الطائرة في الهواء ، الغارقة في الضباب أو بالاسترخاء الذاتي الذي يبتعد فيه الإنسان عن أي جهد فكري أو جسدي ، مما يتحرك فيه الناس لتحقيق الأهداف الكبرى في الحياة ، أو بالأعمال العبادية التقليدية التي لا تحمل أية حرارة روحية ، وأي ابتهال نفسي ، وأي انفتاح على الله في الأفق الممتد في اللانهاية من أجل القرب منه في رحاب القدس والرضوان ، ولا تكلف أي جهد أو أية خسارة من مزاج الإنسان وطريقته في الحياة؟!.
إن الآية تختزن الرفض لذلك ، والاستنكار أو التعجب من هذا اللون من التفكير ، أو الفهم لمسألة الجنة في علاقتها بحركة الإنسان في الدنيا ، لأن الجنة ـ كما جاء في الحديث ـ محفوفة بالمكاره والصّبر (١) ، مما يجعلها نتيجة للحركة المتنوعة الخطوات ، المتعددة الأبعاد ، القاسية في آلامها ، الشديدة في أحزانها ، الضاغطة في زلزالها ، الهائلة في مخاوفها ، بحيث يعيش الإنسان في توتر دائم من خلال التحديات الصعبة في ساحة الصراع بما يعانيه من خطورة الجهاد النفسي والعسكري ونحوه ، بحيث يكون إنسان الجهاد والتحدي والصراع الذي يفتح الحياة على آفاق النصر ، فلا مجال لكم أيها
__________________
(١) البحار ، م : ٢٤ ، ج : ٦٨ ، ص : ٢٨٢ ، باب : ٦٢ ، ورواية : ٤.