وهذا ما تؤكده الفقرة التالية في الآية حيث الدعوة إليه كعنوان لا بد للناس من أن يحركوه في قضية الإنفاق ، ف (ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوالِدَيْنِ) اللذين هما سر حياة الإنسان في وجوده الحيّ ، مما يفرض عليه الاهتمام بهما ورعايتهما في شيخوختهما ومرضهما وتعبهما ، والإحسان إليهما في كل أوضاعهما في الحياة كبادرة عرفان الجميل لما قاما به ، على هدى ما جاء في قوله تعالى ، في إثارة ذكريات الطفولة الأولى في وجدان الإنسان في شبابه عند ما يتذكر ذلك كله : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُما وَقُلْ لَهُما قَوْلاً كَرِيماً) [الإسراء : ٢٣].
(وَالْأَقْرَبِينَ) من أرحامكم الذين يتصل نسبكم بنسبهم ، وتجري في عروقكم دماؤهم ، أو تجري دماؤكم في عروقهم ؛ هؤلاء الذين يمثلون المجتمع الأول الذي ترتبطون به من الداخل في حركة الوجود ، مما يجعل منه الخلية الاجتماعية الأولى التي تمنحكم الكثير من عناصر شخصيتكم وملامحها الداخلية والخارجية ، وهذا ما أكد الله فيه شريعته في اعتبار صلة الرحم قيمة أخلاقية إيجابية ، وقطيعة الرحم قيمة سلبية ، لأن ذلك يوثق الرابطة الاجتماعية الإنسانية الأقرب في الواقع الإنساني بما يؤهّل المجتمع لتوثيق الروابط الأخرى.
(وَالْيَتامى) الذّين فقدوا الآباء في طفولتهم ، فلا يجدون الإنسان الذي يرعاهم ويحضنهم ويمنحهم الحب والحنان ، ويضمهم إلى صدره ، ويفتح لهم روحه ، فيشبع جوعهم ويروي ظمأهم ويكسو عريهم ، بما يجعل من الإنفاق عليهم تحصينا للمجتمع من ضياع الفئة الضعيفة فيه في متاهات الحياة ، لتستند إلى قوة المجتمع في مسئوليته المجتمعية بعد أن فقدت قوة الأب أو الأم ، فيمنحها الثقة بالذات وبالحياة.
(وَالْمَساكِينِ) الذين ضاقت بهم سبل الحياة ، فلم يحصلوا على العيش