التي تحكم حالة السلم في الدعوة.
الثاني : قد يكون الدخول في صراع عنيف مع قريش أمرا غير عملي من خلال حسابات توازن القوى ؛ باعتبار أن الدعوة الجديدة انطلقت من المركز الخاضع لسيطرة قريش ، مما يجعل من العسير أو المستحيل الدخول في صراع القوة معها.
الثالث : حاجة الدعوة إلى الأجواء التي تسمح بالكلمة الهادئة التي لا تضيع في صخب القتال والسلاح لتترك تأثيرها الإيجابي في داخل النفوس ، ولو من خلال المواقف السلبية ضدها. فإن أية دعوة تحتاج إلى فترة من الهدوء الذي يحملها إلى الأسماع والأفكار ، بعيدا عن أية عناصر أخرى ضاغطة ، لأن عظمة الدعوة الإسلامية أنها جاءت لتخاطب العقول فتفرض عليها قناعاتها بالحجة والحوار بدلا من القوة والضغط. وذلك ما يفرض أن تعمل على تهيئة الوسائل العملية التي تكفل ذلك كله.
ولعلّ هذه النقطة هي التي فرضت هذا الأسلوب السلمي الصابر المهاجر في أجواء مكة ، باعتبارها المكان الأمثل الذي يمكن فيه للدعوة أن تصل إلى كل قلب وإلى كل أذن ، لأنها عاصمة الجزيرة العربية الثقافية والدينية ، مما يجعلها مركزا للتجمع في المواسم الثقافية والدينية كموسم عكاظ والحج ، أو في المواسم التجارية عقيب رحلة الشتاء والصيف ، الأمر الذي لا بد فيه للدعوة من أن تحافظ على وجودها في مكة أطول مدة ممكنة لاستغلال ذلك في تحقيق الهدف الكبير ، بحيث نستطيع الوصول إلى بعض الأجواء العربية التي لا يمكن أن تصل إليها لو لا ذلك.
الرابع : لعلّ هدف النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في منع المؤمنين في مكة من الدخول في صراع مسلّح مع قريش ، هو إعطاء المؤمنين الذين يدخلون في الدين ـ وهم ضعفاء ـ الفرصة للحصول على القوة بطريقة تدريجية خالية من الفروض