مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) [الأنعام : ١٢٢] ، تبين الآية أن للمؤمن في الدنيا حياة ونورا في أفعاله وليس للكافر ، ومثله قوله تعالى : (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى) [طه : ١٢٤ ـ ١٢٥]. حيث يبين أن معيشة الكافر وحياته في الدنيا ضنك ضيقة متعبة ، وبالمقابل معيشة المؤمن وحياته سعيدة رحبة وسيعة.
وقد جمع الجميع ودلّ على سبب هذه السعادة والشقاوة قوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) [محمد : ١١] فظهر مما قربناه أن المراد بالأعمال مطلق الأفعال التي يريد الإنسان بها سعادة الحياة ، لا خصوص الأعمال العبادية والأفعال القربية ، التي عملها المرتد وأتى بها حال الإيمان ؛ مضافا إلى أن الحبط وارد في مورد الذين لا عمل عبادي ولا فعل قربي لهم ، كالكفار والمنافقين ، كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ) [محمد : ٧ ـ ٩] ، وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) [آل عمران : ٢١ ـ ٢٢] إلى غير ذلك من الآيات.
فمحصل الآية ـ كسائر آيات الحبط ـ هو أن الكفر والارتداد يوجب بطلان العمل عن أن يؤثر في سعادة الحياة ، كما أن الإيمان يوجب حياة في الأعمال تؤثر بها أثرها في السعادة ، فإن آمن الإنسان بعد الكفر ، حييت أعماله في تأثير السعادة بعد كونها محبطة باطلة ، وإن ارتد بعد الإيمان ماتت أعماله جميعا وحبطت ، فلا تأثير لها في سعادة دنيوية ولا أخروية ، لكن يرجى له ذلك إن هو لم يمت على الرّدّة وإن مات على الرّدّة ختم له الحبط وكتب