الشقاء» (١).
ونلاحظ على هذا التحليل الدقيق ، أن ما ذكره في تفسير الإحباط في الدنيا والآخرة ببطلان تأثير الأعمال ، مع الكفر أو الارتداد في سعادة الإنسان في الدارين صحيح ، ولكن تفسيره السعادة في الدنيا بالحياة الروحية التي يعيش الإنسان المؤمن فيها النور في أفعاله ، دون الكافر الذي يفقدها لفقدان صلته بالله الذي يدخل البهجة إلى قلبه ، والسلوة عند حزنه ، والاكتفاء عند حاجته ليس دقيقا. فإن ذلك قد يحقق للإنسان الشعور بالسعادة والطمأنينة من حيث تأثير الإيمان في ذلك ، كما هو مدلول الآيات التي استشهد بها ، ولكن الظاهر من الأعمال ، في هذه الآية ، الأعمال التي يستحق بها الإنسان العناية من الله بما يمنحه من الثواب عليها ، أو يدفع بها عنه شرا ، أو يجلب له خيرا ، فإن الله يعطي عباده المؤمنين النتائج الإيجابية في أعمالهم الخيرة وإن لم يتقربوا بها إليه ، بل كانت جارية على حسب الخط الإيماني الذي تتحرك فيه حياته من خلال انتمائه إلى رسالات الله.
ولذلك ، فإن المقصود من حبط الأعمال بالكفر وبالارتداد هو بطلان تأثيره في العطاء الإلهي في الدنيا والآخرة ، هذا العطاء الذي يجريه الله لعباده جزاء للأعمال الصالحة بشرط الإيمان ، لأن الإيمان هو الأساس في استحقاق الثواب على العمل. وهذا ما نستوحيه من قوله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كاتِبُونَ) [الأنبياء : ٩٤]. وقوله تعالى : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل : ٩٧] فإن الظاهر من الآيتين ، أن العمل الصالح في دائرة الإيمان ، هو الذي يمنح الإنسان حقّ الأجر الذي يمنحه الله له في الدنيا والآخرة ، وهو الذي يمنع من كفران سعيه
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ٢ ، ص : ١٧١ ـ ١٧٢.