والظاهر أن المراد بها الضرر الدنيوي لا الأخروي ، لأنه تابع للتحريم الذي تستوجب مخالفته العقاب في الآخرة. وهذا مما لم يكن معهودا قبل الآية ، ليتحدث الله عنه كشيء وجداني معلوم للناس في ذهنيتهم الشرعية ، لأن الغرض أنهم في موقع السؤال عن التحريم كموقف إسلامي فيه الأمر الذي يجعل الضرر الأخروي نتيجة للآية ، لا تحليلا للمسألة وتقريبا للصورة.
وربما يستفاد ذلك من «مقابلة في قوله تعالى : (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) ، فإن النفع ـ في مفهومه ـ يقابل الضرر ، فهما يتواردان في الأشياء التي يتطلبها الناس لخصائصها الإيجابية أو يكرهونها لخصائصها السلبية ، مما يجعل من ذكر أحدهما في مورد قرينة على إرادة مقابلة في مجال المقارنة بين الخصائص الكامنة في الشيء.
وربما كان المراد من المنافع حالة الفرج النفسي الذي يحدث في حالة السكر عند ما يدخل الإنسان في غيبوبة ذهنية ضبابية ، توحي له بالمرح واللهو والعبث ، بحيث يتخفف من قيوده الاجتماعية التي يفرضها عليه عقله ، فيبتعد بذلك عن ضغط المشاكل النفسية والاجتماعية والاقتصادية ونحوها ، مما يجعل من الخمر سببا في الهروب من الواقع ، بدلا من أن يكون حلا للمشكلة وتركيزا للواقع. أما في القمار ، فقد تكون المنافع متمثلة في الأرباح التي يحصل عليها المقامر ـ في بعض الحالات ـ بيسر وسهولة ، فلا يتكلف في سبيل الحصول عليها أي جهد أو تعب مما يتكلفه الناس في حركتهم المعاشية في الأسفار البعيدة والأخطار الكثيرة ، بالإضافة إلى ما يستتبع ذلك من الحالة النفسية المرحة في حركة اللعب الذي يؤدّي إلى الربح.
(وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما) فإن الأضرار التي تحدث للحياة الإنسانية الفردية والاجتماعية في جميع مجالاتها ، في الخمر والميسر ، أكبر من المنافع الحاصلة منهما ، لأن الهروب من الواقع ، ونسيان المشاكل في لحظات السكر ، قد يخدّر الآلام الكامنة في الواقع ، من خلال مشاكل الإنسان الخاصة والعامة ،