القضاء على المسافر والمريض ، وأن الله أراد من خلال ذلك بناء أمر الإنسان في ما يفعله وفي ما يتركه على أساس التيسير ، لأن الله قد أرسل نبيّه بالشريعة السهلة السمحة. وقد حاول البعض أن يستفيدوا من هذه الفقرة من الاية أن الإفطار في السفر رخصة لا عزيمة ، ولكن لا دليل لهم في ذلك لأنه يمكن أن يكون اليسر في إسقاط الصوم عنهم ، وإن كان ذلك إلزاميا.
وربما يستفاد من هذه الاية قاعدة فقهية حاكمة على أدلّة الأحكام العامة وهي قاعدة «اليسر» أو «لا حرج» ، فهي دالة على أن الله يريد ـ في كل تشريعاته ـ أن ييسر للناس حياتهم في ما يفعلون وفي ما يتركون ، مما يوحي بأن كل حكم يوقع الناس في العسر فهو غير مجعول في الشريعة ، حتى لو كان الدليل الدال عليه يدلّ على ذلك بإطلاقه وعمومه. وهذا هو الأساس في فتاوى الفقهاء في انتقال الإنسان من حالة في الصلاة إلى حالة أخرى حيث يرفع الإلزام عن الحالة المستلزمة للمشقة والعسر كالقيام بالنسبة إلى الجلوس ، والوضوء بالنسبة إلى التيمم ونحو ذلك.
(وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ) في صيام الأيام التي فاتت المكلّف في شهر رمضان ، ليكمل له بذلك الصيام الذي فرضه عليه. (وَلِتُكَبِّرُوا الله عَلى ما هَداكُمْ) فسّره المفسرون بالتكبيرات التي يكبّرها المصلون في صلاة العيد ، ولعل الظاهر أنها تعليل للتشريع العبادي في الصوم الذي يوحي بالتذلل ، والخضوع ، والانقياد ، والوعي الروحي للربوبية الشاملة والألوهية العظيمة في موقع العظمة والكبرياء ، وعلى هدايته لدينه الذي به يعرف ربه في توحيده ، وقدرته ، وكل مواقع العظمة عنده ، ليحسّ الإنسان بأن الله هو كل شيء في وجوده وفي حركته ، ولا شيء لأيّ مخلوق إلا من خلاله ، فهو الذي يمنحهم القوة والعظمة والغنى والسعة في حياتهم ، ولا يملكون ، في ذواتهم ، نفعا ولا ضرا ... وهذا ما يجعل المؤمن واعيا لمقام ربه ، ومنفتحا على مسئوليته في توحيده في العبادة والطاعة ، فيكبّر الله على ذلك كله ، في روحه وعقله