الحالة الشأنية في السؤال. بينما ما ورد في القرآن من أسئلة الناس كان يمثل الفعلية التي تبحث عن معرفة كل ما يدور في الذهن ، مما يجهله الناس ويتطلبون معرفته.
(فَإِنِّي قَرِيبٌ) لأني لست وجودا محصورا في المكان لتكون المسافات هي التي تفصلني عنهم ، بل هو الوجود الكلي في القدرة والإحاطة والشمول ، فلا يغيب عنه شيء ، فهو العالي في علوّه في الوقت الذي هو الداني في دنوّه ، فلا شيء أقرب إلى عباده منه. (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَنَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق : ١٦] (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الأنفال : ٢٤].
إنه الحاضر الذي لا يملك أحد معنى حضوره في وجود الإنسان لأنه سرّ وجوده ، ولهذا كان قربه إليه من خلال ارتباط ذاته به ، فهو الذي يمنحها الوجود في كل آن من جهة فقره المطلق إليه.
وإذا كانت المسألة بهذا المستوى من معنى قرب الله إلى عبده ، فإن على عباده أن يتعاملوا معه من موقع هذا القرب ، ليتحدثوا معه حديث القريب إلى القريب ، سرّا وجهرا ، في همسة الروح ، وتمتمة الشفاه ، وانفتاح القلب ... ليجدوا فيه المعنى الروحي للقرب من عمق رحمته ، ليتحسسوا وجوده في وجودهم ، فلا يشعروا بالانفصال عنه ، وليعيشوا لهفة الفقر في غناه ، وصرخة الحرمان إلى عطائه لتكون حاجاتهم بين يديه ، فهو الذي يسمع من فوق عرشه ما تحت سبع أرضين ، ويسمع الأنين والشكوى ، ويعلم السرّ وأخفى ، ويسمع ووساوس الصدور.
وهكذا خاطب الله كل واحد منهم بالأمل الحي ، الأخضر ، المنفتح على النتائج الإيجابية لكل طلباتهم ، باعتبار أنهم عباده الذين خلقهم ، وأفاض عليهم من نعمه ، وتكفل بتدبيرهم في حياتهم كلها ، وقرّبهم إليه. (أُجِيبُ دَعْوَةَ