تؤتاه ، وأوتيت خيرا منه عاجلا أو آجلا ، أو صرف عنك لما هو خير لك ، فلرب أمر قد طلبته فيه هلاك دينك لو أوتيته ، فلتكن مسألتك في ما يبقى لك جماله وينفى عنك وباله. فالمال لا يبقى لك ولا تبقى له» (١).
ففي هذه الفقرات من الوصية أن الله ينظر إلى قلب الداعي في حجم القضايا التي يحملها ويتطلع إليها في أعماقه ، مما قد لا يعبر اللفظ عنه ، لأن اللفظ قد لا يدلّ على الافاق الواسعة التي ينفتح عليها القلب ، الأمر الذي يؤكد أن الدعاء في القلب قبل أن يكون في اللسان ، وبمقدار النية قبل أن تكون بمقدار المعنى المدلول عليه باللفظ ، فتكون الاستجابة على قدر النية.
وفي هذه الوصية أن الاستجابة قد لا تكون في دائرة المطلوب لأنها لا تحقق مصلحة للداعي ، أو قد تسبب مفسدة له ، ولكن الله لا يهمل للداعي تطلعاته للخير من خلال ما اعتقده خيرا في دعائه ، بل يختار له في مبدأ الاستجابة ما هو الأفضل والأوسع والأغنى في الدنيا أو في الاخرة. وهذا هو سر الرحمة الإلهية في رعاية الله لعبده الذي يمنحه الخير من خلال دعائه وتضرعه إليه ، حتى لو كان الدعاء في اتجاه آخر ، لأن المسألة هي أن يستجيب له في انفتاح الخير على حياته لا في مفردات الدعاء بذاتها.
(فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي) في كل نداءاتي ودعواتي وأوامري ونواهيّ ... التي أردت لهم من خلالها الصلاح في دنياهم وأخراهم ، لتكون حياتهم متوازنة منفتحة على الخير في كل أوضاعهم ، ولتنطلق آخرتهم في خط الاستقامة المنفتح على الله.
(وَلْيُؤْمِنُوا بِي) وبربوبيتي الشاملة ، وبتوحيدي في الألوهية والعبادة والطاعة ، لأن ذلك هو الذي يؤكد الصلة بين العبد وربه ، ليعيش الحضور الإلهي في عقله وروحه وحياته ، وليدرك معنى القرب الذي يوحي به الله إليه ،
__________________
(١) نهج البلاغة ، كتاب / ٣١.