يمكنكم أن تتجاوزوا هذا العمل الذي ألزمتم أنفسكم به بالدخول إلى البيوت من ظهورها في حال الإحرام ، لأنه ليس أمرا مفروضا عليكم من الله ، فيمكنكم أن تأتوا البيوت من أبوابها من دون أي خوف أو حرج إذا التزمتم بالتقوى في ما حرمه الله عليكم أو في ما أوجبه الله عليكم ، ولكن التأمل في الاية يجعلنا نتجاوز ما ورد في هذه الروايات التي لم تثبت عندنا.
إن الظاهر في قضية قوله : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) أنها ليست واردة في مقام الرخصة بذلك ، بل هي واردة في مقام تحديد الخط العام الذي يسير عليه الإنسان في حياته في كل ما يفيض فيه من حديث ، أو يسأل عنه من أمر ، أو ينطلق فيه من عمل ، أو يتحرك نحوه من هدف ... وبذلك يكون مفاد الاية التأكيد على أن يتحرك الموقف العملي للإنسان من الوجه الذي يجب أن ينطلق منه ، فإن الله قد جعل لكل شيء في الحياة بابا يدخل منه ، فلكل غاية وسيلة معينة تنسجم مع طبيعتها وواقعها ، ولكل فكرة أجواؤها التي تتحرك فيها ، ولكل حركة قيادتها التي تتحرك من خلالها ... وبذلك تلتقي فكرة إتيان البيوت من أبوابها مع خط التقوى ، كما أن إتيانها من ظهورها كناية عن الانطلاق من غير مواردها الشرعية بعيدا عن خط التقوى ، ويكون البرّ وعدمه تابعا لذلك.
ويؤيد هذا المعنى ما روي عن الإمام أبي جعفر محمد الباقر عليهالسلام ـ في كتاب المحاسن للبرقي ـ في قوله تعالى : (وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها) قال : يعني أن يأتي الأمر من وجهه ، أيّ الأمور كان (١) ويمكن أن يكون ذلك على سبيل الاستيحاء أو التطبيق لا على سبيل التفسير. ولعل هذا هو الأقرب إلى الأجواء القرآنية العامة. وهو الذي يجب أن نستوحيه في حياتنا العملية عند ما نريد أن ننطلق في أي مجال للدعوة ، فنتحرك معه بالأسلوب الذي يمكن أن يؤدي إلى الغاية ، ويوصل إلى المطلوب من خلال دراسة الواقع
__________________
(١) نقلا عن : تفسير الميزان ، ج : ٢ ، ص : ٥٩.