إن أموالنا قد ضاعت ، وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه ؛ فلو أقمنا في أموالنا فأصلحنا ما ضاع منها فأنزل الله على نبيه ـ يرد علينا ما قلنا ـ (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) فكانت التهلكة الإقامة في الأموال وإصلاحها وتركنا الغزو» (١).
ونحن نلاحظ أن الآية يمكن أن تنطبق على هذا المورد ، وهو ترك الجهاد ، والاستسلام للدعة والاسترخاء ، والإقبال على إصلاح الأموال كهدف كبير للحياة ... فإن المجتمع عند ما يعيش مثل هذا الجو السلبي أمام قضايا المصير ، فلا بد من أن يقع في التهلكة ، لأن العدو سوف يتغلب على المسلمين ويسيطر على مقدراتهم الاقتصادية والأمنية ، ويحتل أرضهم ، ويهزم جمعهم ، ويحطم قوتهم ، الأمر الذي يؤدي إلى هلاك الأمة سياسيا واقتصاديا وأمنيا. وهذا ما لا يرضاه الله ، ولكن من المستبعد أن تكون الآية دالة على ذلك بخصوصه ، فإن الظاهر منها الربط بين الإنفاق والإلقاء في التهلكة ، ومع الإغضاء عن ذلك ، فإنها تكون مطلقة لكل الموارد الإيجابية والسلبية في الأشياء كلها.
أما التفسير الثاني ، فيرى أن «الإنفاق بشكل عام يؤدي إلى نجاة أفراد المجتمع من الهلاك ، وبالعكس ، حينما يترك أفراد المجتمع الإنفاق وتتراكم الثروة في أحد أقطاب المجتمع ، تنشأ أكثرية محرومة بائسة ، ولن يلبث هذا المجتمع حتى يحدث انفجار عظيم فيه يحرق الأثرياء وثروتهم ، ويتضح من ذلك ارتباط الإنفاق بإبعاد التهلكة» (٢).
ونلاحظ على هذا الوجه ما لاحظناه على الوجه الأول ، مع ملاحظة بعده عن السياق العام للآية ، وهو حالة الجهاد ، مما يبعد معه إرادة الخصوصية
__________________
(١) الدر المنثور ، ج : ١ ، ص : ٥٠٠.
(٢) الشيرازي ، ناصر مكارم ، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ، مؤسسة البعثة ، بيروت ، ط : ١ ، ١٤١٠ ه ـ ١٩٩٠ م ، ج : ٢ ، ص : ٢٤ ـ ٢٥.