بصفين ، أم في صلح الإمام الحسن عليهالسلام ، فهذا التوجه لم يكن منطلقا من هذا المبدأ الذي تقرره الآية ، بل من خلال مراعاة المصلحة الإسلامية العليا التي تفرض ذلك ، كالاستعداد لفتح مكة من خلال التخطيط النبوي الذي كان يفرض تبريد الجو. أما موقف الإمام علي عليهالسلام من التحكيم ، فقد كان منطلقا من النتائج السلبية في انقسام جيشه ووصول معاوية إلى غايته في السلم بما لم يستطعه في الحرب انتظارا لفرصة أخرى لم تأت من خلال الظروف الطارئة. أما صلح الإمام الحسنعليهالسلام ، فقد كان من أجل الإبقاء على المعارضة للتخطيط للمستقبل الذي يكشف طبيعة الحكم الأموي من خلال حركة معاوية في بيعته ليزيد وتجربة يزيد ومن بعده.
إننا نلاحظ أن المسألة لم تكن من باب الخوف على النفس أو على الجيش من الهلاك ، بل كانت من أجل النتائج السلبية الطارئة للحرب على مستوى القضايا الكبرى.
وإذا أردنا أن نتحرك مع المبدأ العام في انطلاقه في تشريع الصلح مع الكفار ، فإن المسألة لا بد من أن تخضع لدراسة الجانب السياسي على مستوى الحاضر والمستقبل بالإضافة إلى الجانب الأمني ، ولا يمكن الاقتصار على الجانب الأمني ، لأن المسألة الجهادية تتحرك من أجل دفع المجاهدين إلى التضحية بأنفسهم في سبيل الله. وربما كانت طبيعة الظروف العسكرية توحي بأن السلامة غير محتملة للكثيرين من أفراد الجيش ، بحيث كان المطلوب منهم أن يلقوا بأنفسهم إلى الموت ، لينالوا شرف الشهادة والقتل في سبيل الله.
أما قضية الإمام الحسين عليهالسلام ، فقد انطلقت من موقع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإصلاح في أمة جده ، مما يجعل من حركته جهادا في سبيل الله يتجاوز النصر فيه الجانب المادي إلى الجانب المعنوي ، ولينطلق في مدى المستقبل في تأثيراته لعدم وجود أية فرصة للنصر في الحاضر. وهذا ما نستوحيه من كلماته التي قال في بعضها على ما روي عنه :