مقدمة
قبل أن نخوض في موضوع الإعجاز العلمي ، ونتكلم على الآيات المتعلقة بعلوم الكون والحياة وما فيها من إعجاز ، لا بدّ لنا أن نقدم على الموضوع مقدمة وجيزة ، نضع بها الخطوط العريضة للمنهج الذي سنسلكه في سبيل الوصول إلى الغاية والهدف ، دون غلو نحمل به آيات القرآن ما لا تحمله من المعاني والاحتمالات ، أو تفريط نعرض به عن كثير من الحقائق الكونية والعلمية التي لا يجوز الإعراض عنها لجمود في التفكير ، أو قصور في العلم والمعرفة.
لقد كثر الكلام منذ بداية هذا القرن عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ، بحيث غطى نوعا ما على بعض جوانب الإعجاز الأخرى فيه ، لا من حيث كونها معجزة في الواقع ونفس الأمر ، فتلك الجوانب كانت وما زالت معجزة ، ولكن من حيث كونها أصبحت بعيدة عن أفهام الناس وعقولهم ، بينما أصبحت الجوانب العلمية مسيطرة على حياة الناس وعقولهم.
فحينما نتكلم اليوم على الإعجاز اللغوي في القرآن ، لا نجد الناس يتفاعلون معنا في إدراك وجوه الإعجاز في كلماته ، وجمله ، وأساليبه ، لأن معظم الناس اليوم يجهلون لغة العرب ، بسبب المخطط الخطير الذي فرض على أساليب التعليم ومناهجه في أمتنا وبلادنا ، من قبل أعدائنا.
بل تجاوز الأمر في الإعجاز اللغوي ، تجاوز صفوف العامة إلى صفوف القلة المتبقية من العارفين بقواعد اللغة ، والمهتمين بأدبها ، فإن أكثرهم لا يحس بالإعجاز اللغوي بسليقته وطبعه ، وإنما يدركه بعقله ودراسته ومعارفه.
وشتان بين رجلين ، الأول يسمع القرآن ، فيدرك بمجرد سماعه وبتذوقه الفني أن هذا الكلام ليس من كلام البشر ، وإنما هو معجز من كلام الله.