وهبني قلت : هذا الصبح ليل |
|
أيعمى العالمون عن الضياء؟ |
هذا من جهة.
ومن جهة أخرى ، كل ممنوع مرغوب ، ولا سيما إذا كان المنع على الطريقة العشوائية التي اتبعتها قريش في محاولة الصد عن القرآن ...
الطفيل بن عمرو الدوسي :
فهذا هو الطفيل بن عمرو الدوسي ، وهو من سادة قريش وأشرافهم ، كان شاعرا لبيبا ، وعاقلا حكيما ، جاء مكة ، فجاءه سادتها من المشركين ، يخذلونه عن السماع من محمد صلىاللهعليهوسلم ، خشية أن يؤمن به ، إلّا أن النتيجة كانت على عكس ما رموا إليه وأرادوه ، لأن ما أثر في نفوسهم لا بدّ وأن يؤثر في نفس الطفيل وغيره ، من كل من عقل كلام العرب وتذوقه.
يقول الطفيل : كنت رجلا شاعرا ، سيدا في قومي ، فقدمت مكة ، فمشيت إلى رجالات قريش ، فقالوا : إنك امرؤ شاعر سيد ، وإنا قد خشينا أن يلقاك هذا الرجل ، فيصيبك ببعض حديثه ، فإنما حديثه كالسحر ، فاحذره أن يدخل عليك وعلى قومك ما أدخل علينا ، فإنه فرق بين المرء وأخيه ، وبين المرء وزوجته ، وبين المرء وابنه ، فو الله ما زالوا يحدثوني في شأنه ، وينهوني عن أن أسمع منه حتى قلت : والله لا أدخل المسجد إلّا وأنا ساد أذني ..
قال : فعمدت إلى أذني فحشوتها كرسفا ـ أي قطنا ـ ثم غدوت إلى المسجد ، فإذا برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قائما في المسجد ، فقمت قريبا منه ، وأبي الله إلّا أن يسمعني بعض قوله.
فقلت في نفسي : والله إن هذا للعجز ، وإني امرؤ ثبت ، ما تخفى علي الأمور ، حسنها وقبيحها ، والله لأتسمعن منه ، فإن كان أمره رشدا ، أخذت منه ، وإلّا اجتنبته ، فنزعت الكرسفة ، فلم أسمع كلاما أحسن من كلام يتكلم به ، فقلت : يا سبحان الله ، ما سمعت كاليوم لفظا أحسن ولا أجمل منه.
فلما انصرف تبعته ، فدخلت معه بيته ، فقلت : يا محمد! إن قومك