لبيد بن ربيعة :
وما حدث لعمر ، والطفيل بن عامر الدوسي ، حدث لكثير من المشركين مما دفعهم للدخول في الإسلام.
بل جعل كثيرا منهم يذهل عن كل صورة من صور الجمال الفني في لغة العرب أمام بلاغة القرآن ، وجماله وإعجازه.
فهذا لبيد بن ربيعة العامري ، أحد أصحاب المعلقات السبعة ، الذين سارت بشعرهم الركبان ، ومن أشراف الشعراء المجيدين الفرسان ، يفد على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ويسمع كلامه ، ويسلم ، ولكن .. ما ذا فعل بالشعر ، الذي جرى في كيانه مجرى الدم من عروقه ، وجبلت به نفسه ، وعرفت به حياته ، وتناقله الناس عنه ، يتفاخرون به ، ويتمايلون طربا لسماعه ، بل يصل بهم الأمر لدرجة الجنون لأجله ، كما فعل الفرزدق حين مر بمسجد لبني أقيصر بالكوفة ، وسمع رجلا ينشد قول لبيد :
وجلا السيول عن الطلول كأنها |
|
زبر تجدّ متونها أقلامها |
فما كان من الفرزدق إلا أن سجد ..
فقيل له : ما هذا يا أبا فراس ..؟.
فقال : أنتم تعرفون سجدة القرآن ، وأنا أعرف سجدة الشعر (١) ..
لقد وصل الأمر بالفرزدق ، وهو أحد فحول الشعراء الذين لا ينازعون ولا يدافعون ، وصل الأمر به لدرجة الافتتان بشعر لبيد ...
فما هو حال لبيد في الإسلام أمام القرآن ...؟.
لقد ذهل هذا الرجل الفصيح البليغ ، الذي فتن الناس بشعره ، لقد ذهل عن نفسه وشعره ، فلم يعد يتمكن من قول الشعر ، إذ أفحمته عظمة القرآن وبلاغته ، فلم يقل بعد إسلامه إلّا بيتا واحدا ، وهو قوله :
الحمد لله إذ لم يأتني أجلي |
|
حتى لبست من الإسلام سربالا |
__________________
(١) مختارات ابن منظور ٩ / ٣٤٠.