ولذلك قال تعالى مسليا لنبيه عليه الصلاة والسلام ، وكاشفا لحقيقة القوم : (قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ ، فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ ، وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ).
وقال تعالى : (وَجَحَدُوا بِها ، وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا).
وقال : (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ).
إذن فليست المسألة مسألة حق وباطل ، وإنما هي مسألة جحود وعناد.
والذي يهمنا نحن هنا في ظاهرة الإعجاز هو اعتراف الجميع بأن هذا القرآن ليس من صنع البشر ، وإنما هو من عند الله.
وما علينا بعد ذلك آمن الناس أم كفروا ، فلا يضر الحق قلة المؤيدين ، كما لا يفيد الباطل كثرتهم.
فالحقائق لا تتغير بكثرة الأتباع وقلتهم.
على أنه ـ ومما لا شك فيه ـ أن الذين جحدوا ولم يؤمنوا ، لا يشكلون أية نسبة أمام الذين دخلوا في دين الله ، وآمنوا بمعجزته ، ولا سيما أن الجميع قد اعترفوا بإعجاز القرآن ، وعلى رءوسهم بلغاء العرب وفصحاؤهم ، من الشعراء ، والخطباء ، والحكماء.
* * *
الدليل على عدم وقوع معارضة القرآن :
والآن ، وبعد أن أثبتنا إعجاز القرآن لبلغاء العرب عن التحدّي ، يمكن أن يتساءل أهل العصر ويقولوا : إنك أثبت إعجاز القرآن بالتحدّي وعدم إمكان المعارضة.
أما التحدّي فهو مسلم ، وما زال قائما.
وأما عدم إمكان المعارضة فلا ، فما هو الدليل عليه؟ أليس من الجائز أن يكون القرآن قد تحدّي ، وبطلت المعجزة ، إلّا أن هذا التحدّي لم ينقل إلينا ، بل كتمه المسلمون عصبية ..؟.