وإني اعتبر أن مثل هذا الموقف تفريط في حق القرآن ، وإعراض عن الفهم الحقيقي للآيات المتعلقة بالكون والحياة ، بل ربما كان سببا لإيجاد فجوة هائلة بين الدين والعلم ، مما قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه ، كما حدث للكنيسة حينما حاولت أن تقف في وجه الحقائق العلمية ، لتفرض على الناس أن يفكروا من خلال عقليتها القديمة المتعارضة مع حقائق العلم ، زعما منها أن هذا هو الدين ، مما أدى في نهاية المطاف إلى الثورة على الكنيسة ، بل على الدين المحرف الباطل الذي كانت تمثله ...
إننا نحن المسلمين مدعوون في كل زمان ومكان ، وبنص الشرع ، إلى الاستفادة من كل حقيقة علمية ، لأن ديننا دين العلم والمعرفة ، ولم ولن يتعارض في يوم ما مع حقائق العلم في الكون والحياة.
وأما الفئة الثانية ، فقد كانت على النقيض من الفئة الأولى فتنت بالنهضة العلمية الحديثة ، ورأت الجمود الذي كان عليه بعض المسلمين ، فأرادت أن تسمو بدينها وقرآنها في عصر المادة ، فصارت تحمل ـ بمناسبة وغير مناسبة ـ صارت تحمل آيات القرآن على المكتشفات أو القوانين العلمية الحديثة ، مما جعلها تخرج بالآيات القرآنية عن معانيها اللغوية ، ومدلولاتها الشرعية ، وتنحرف بها عن الغاية والهدف الساميين اللذين جاءت من أجلهما ، ومما جعلها أيضا تقع في كثير من المتناقضات.
وذلك أنها بمجرد سماعها بنظرية علمية ـ في الشرق أو الغرب ـ تعمد إلى الآيات القرآنية التي ربما كان لها مساس بالموضوع ، وأخذت تتوسع في مدلولاتها بعيدا عن القوانين اللغوية والشرعية ، زاعمة أن هذه الآية نطقت بهذه النظرية منذ قرون كثيرة ، فإذا ما تغيّرت تلك النظرية العلمية ثانية ، واستبدلت بنظرية أخرى أحدث منها وأدق ، وربما كانت مخالفة للأولى تماما ، أسقط أولئك في أيديهم ، وعمدوا ثانية إلى التلاعب بالآية ومعانيها ليطبقوها على النظرية الجديدة ، مما جعل عملهم أشبه بالعبث منه بالدفاع عن القرآن أو إظهار إعجازه ، بل ربما أوقع القرآن في تناقض خطير بسبب تأييده لنظريتين متناقضتين بدون ضابط أو قانون من لغة أو شرع.