إلا إذا كان مراد القائل أن القرآن استعمل هذه الأساليب المنطقية بأسلوب بلاغي واضح ، على خلاف العادة في استعمال مثل هذه الأساليب ، وعند ذلك نرد هذا النوع إلى النوع الأول من أنواع الإعجاز الرئيسية ، ألا وهو الإعجاز اللغوي.
٢ ـ تضمنه للحلال والحرام :
فقد ذكر الإمام القرطبي في مقدمة تفسيره (١) أن من وجوه الإعجاز في القرآن ، ما تضمنه من العلم في الحلال والحرام ، وفي سائر الأحكام.
وهذا أيضا لا إعجاز فيه ، وذلك لأن مسألة الأحكام ، والحلال والحرام ، ليست مما امتاز به القرآن ، بل هي مما عرفته كل الأمم ، قديما وحديثا ، على تفاوت بينهم في نوع الحلال والحرام ، وبغض النظر عن كون ما حللوه أو حرموه مستندا إلى شرع أو عقل ، أو كانوا مصيبين فيه أم مخطئين.
فكل أمة ، وكل أصحاب دين أو نحلة ، يزعمون أن عندهم حراما وحلالا ، ينبني عليهما الثواب والعقاب ، في الدنيا عند الماديين ، والدنيا والآخرة عند المتدينين.
ومسألة الحلال والحرام في القرآن مبنية على الإيمان بالله ، فالمؤمن يسلم بها ، والكافر ينكرها ، ويزعم بطلانها.
ولكن المعجزة لا يمكن لإنسان ما أن ينكرها ، فمن سمع اليوم شيئا من الإعجاز الغيبي في القرآن ، أو الإعجاز العلمي ، لا بد له ـ مهما بلغ عناده في الكفر ـ أن يقف ، ويتردد في مصدر القرآن ، بل لا بد له أن يذعن في نهاية المطاف أنه ليس من عند البشر ، إذ لا يمكن للبشر أن يأتوا بمثل هذا ، كما سنشير إليه قريبا إن شاء الله.
على أن مسألة الحلال والحرام ـ قبل هذا كله ـ مبنية على الإيمان بالله ،
__________________
(١) ١ / ٧٥.