وها هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يقول له يوما ما : أنشدني من شعرك .. فيقرأ سورة البقرة ، ويقول له : ما كنت لأقول الشعر بعد أن علمني الله سورة البقرة ..؟ (١).
لقد أذهلته سورة البقرة عن الشعر وقوله ، وحق له هذا ، إنه شعور العظماء عند معاينتهم الحقائق.
إنه اعتراف أهل الفضل بالفضل وإذعانهم له.
إن الفنان العادي ليفخر بفنه أمام من هم أقل منه شأنا ، وأدنى منه منزلة ، إلّا أنه عند ما يكون منصفا عاقلا ، يتصاغر أمام عباقرة الفن وعظمائه ، ويستحيي من عرض إنتاجه أمام إنتاجهم ، وفنه أمام فنهم ، لأنه يدرك بملكته الفرق الشاسع بينه وبينهم ، ويعلم أنه مهما حاول فلن يصل لدرجتهم ، ولذلك يحتفظ بكرامته ، وينسحب إلى حيث يضمن لها المدح والتكريم.
وهكذا كان شأن لبيد بن ربيعة ، لقد أذهلته بلاغة القرآن وفصاحته ، ورأى فيه الإعجاز الذي لا يستطيع أحد أن يدانيه أو يقاربه ، وما شعره مهما بلغ من الدقة والبلاغة ، والعظمة والروعة ، إلّا من سقط القول أمام هذا القرآن المعجز.
ولذلك كان من إكرام لبيد لنفسه أن لا يقول شيئا من الشعر بعد أن قرأ القرآن.
تأثر حسان بن ثابت :
وما حدث للبيد بن ربيعة ، حدث لغيره من الشعراء ، فها هو حسان بن ثابت ، وهو من فحول شعراء الجاهلية المعمرين ، يسلم ، فيقرأ القرآن ، ويتأثر ببلاغته وفصاحته ، مما أذهله عن كثير من المعاني الشعرية التي كان يجيدها في الجاهلية ويفخر بها ، مما جعل مستواه في الشعر يهبط في الإسلام ، عما كان عليه في الجاهلية.
__________________
(١) دائرة المعارف ٨ / ٢٨٢.