فهذه اعترافات أساطين قريش وسادتها ، الكل يلهج بكلام واحد ، وقد تصوّر تصورا واحدا ، ألا وهو أن هذا القرآن ليس من صنع البشر ، وأنه معجز لا قبل لهم بمعارضته ، بل إن كل من يسمعه منهم ، يخفق له قلبه ، وتنفعل به أحاسيسه ، ويحن إلى سماعه المرة تلو الأخرى ، لا يستطيع أن يفطم نفسه عنه.
ولذلك كان النفر من قريش يتعاهدون على عدم سماع القرآن حتى لا يتأثروا به ، ويذهبون إلى بيوتهم ، إلا أن الواحد منهم ، لا يلبث أن يرجع إلى الكعبة ليسمع القرآن الذي ملك عليه عقله وقلبه ، فيجد أن صاحبه الذي كان قد عاهده ، قد سبقه إلى العودة لسماع القرآن المعجز ، نديا من صوت محمد صلىاللهعليهوسلم ، فيجتمعان أمام الكعبة ، وكل منهم قد نقض ما عاهد عليه صاحبه.
وحق لهم هذا ..
فمن ذا الذي يرى المعجزة ويملك نفسه أن لا يتأثر بها ..؟ إذ لو كان الناس يملكون هذا ، لما كان للمعجزة ذلك الأثر ...
اتفاق المشركين على اللغو في القرآن لمنع تأثيره :
لم يكن من المشركين إزاء هذا التأثر العظيم بالمعجزة القرآنية إلا أنهم بدءوا يعلنون إسلامهم الواحد تلو الآخر ، مما أثار حفيظة المشركين ، وجعلهم يفكرون بالوسائل التي يمكن بواسطتها التخفيف من أثر المعجزة القرآنية ، فاتفقوا على أن لا يسمعوا للقرآن ، ولا يمكّنوا أحدا من سماعه ، خشية أن يتأثروا بإعجازه ، ويستجيبوا لهديه ، كما اتفقوا على أن يلغوا في القرآن إذا قرأه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، حتى يشوّهوا ـ فيما يزعمون ـ جماله ، ويذهبوا برونقه ، ويشوشوا على الناس لمنعهم من الإنصات له. قال تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا : لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ ، وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) (سورة فصلت : آية ٢٦).
إلّا أنهم رغم هذا لم يفلحوا ، بل ربما كان الأمر على نقيض مرادهم ، فجمال القرآن لا يمكن تشويهه ، وإعجازه لا يمكن إخفاؤه ، فالشمس في رابعة النهار لا يمكن أن تحجب بكف أحمق ، وكما قال المتنبي :