وإذا عرفنا هذا ، عرفنا أنه لا يمكن أن تلتبس الكرامة بالمعجزة بحال من الأحوال.
وما ذكرناه عن الكرامة يمكن أن نذكره بعينه عن غيرها من الخوارق الأخرى ، كالإرهاص ، والمعونة ، والاستدراج ، والسحر ، والإهانة.
فالإرهاص : ما كان من الخوارق على يد النبي قبل النبوة ، كتسليم الحجر على النبيصلىاللهعليهوسلم بمكة قبل الوحي.
والمعونة : هي الخوارق التي تظهر من قبل عوام المسلمين ، تخليصا لهم من المحن والمكاره ، بصدق إيمانهم ، وحسن اعتقادهم.
والاستدراج : وهو من الخوارق التي تظهر على يد الفسقة ، استدراجا لهم ، وهم مقيمون على معاصيهم.
والإهانة : كالاستدراج ، وهي الخوارق التي تجري على يد الفسقة أو الكفرة ، ولكن على خلاف دعواهم ، تأكيدا لكذبهم ، كما روي أن مسيلمة دعا لأعور لتصح عينه العوراء ، فذهب ضوء عينه الصحيحة (١).
وأما السحر : فهو وإن كان ظاهره أنه أمر خارق للعادة ، إلّا أن حقيقته ليست كذلك ، وإنما هو مجرد إيهام وخداع وتخييل ، قال تعالى : (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى) (سورة طه : آية ٦٦).
وليس في السحر خرق للعادة في الحقيقة ، ولا تغيير للحقائق ، وإلّا لما وجدنا السحرة أفقر الخلق وأذلهم.
لأنهم لو كانوا قادرين على تغيير الحقائق ، لغيّروا التراب إلى ذهب ، ولما جلسوا في الملاهي وقوارع الطرق ، يتكففون الناس ، ويرضون بالزهيد اليسير ، ولما انهار السحرة أمام موسى عليهالسلام ، بحيث لم يفلح واحد منهم قط.
بهذه الضوابط عرفنا الفرق بين المعجزة وغيرها من الخوارق ، كما عرفنا
__________________
(١) جمع الجوامع ٢ / ٤١٦ ، وغاية البيان ص ١٤.