التحدي ليس مقصورا على اللغة :
ويضاف إلى هذا الذي ذكرناه ، أن التحدّي لم يكن في أن يأتي العرب بنظم كنظم القرآن ، في البلاغة والفصاحة ، والدقة والجمال فقط ، بل كان في كل جانب من الجوانب التي خاض فيها القرآن ، من الأحكام ، والحلال والحرام ، والأخبار عن المغيبات ، والخوض في العلوم ، والدقة المتناهية في كل سور القرآن ، إذ أن الله وصفه بأنه (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ) وأن الفرق بينه وبين ما يعمله البشر ، أنه لا يوجد فيه اختلاف كما يوجد في ما يصنعه البشر ، (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً).
فالتحدّي لم يكن قاصرا على جانب اللغة فقط ، لأن هذا خاص بالعرب ، ومن أتقن العربية من غيرهم ، بل كان عاما لكل جانب من جوانب القرآن ، لأنه كان تحدّيا لكل من في الأرض ، من كل الأمم ، من عرب وغيرهم ، ولذلك كان ومن البديهي أن يتظاهر كل من في الأرض ، ممن يخالف الدين الجديد ، على أن يعمل عقله ، ويبذل جهده ، ويستنفد طاقته ، من أجل إبطاله ، بإظهار العجز والتناقض فيه ، أو بمعارضته ، أو بتكذيبه في إخباره ، أو غير ذلك من وجوه المعارضة والتحدّي.
استنفار كل من تحد للمعارضة :
ولذلك استنفر كل من بلغهم هذا الكتاب ـ من المشركين ، واليهود ، والنصارى ، وغيرهم ـ استنفروا كل طاقاتهم وإمكانياتهم من أجل هذا الأمر ، وأخذوا يرمون القرآن بكل وصف يمكن أن ينفر الناس منه.
فقالوا : (لَوْ نَشاءُ لَقُلْنا مِثْلَ هذا ، إِنْ هذا إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) (١).
وقالوا : (ما هذا إِلَّا سِحْرٌ مُفْتَرىً ، وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ) (٢).
__________________
(١) سورة الأنفال : آية ٣١.
(٢) سورة القصص : آية ٣٦.