خوض القرآن فيما لم يكن الانسان يعرف عنه شيئا :
ولم يقتصر القرآن في العلوم التي تكلم عنها على جانب ما كان يعرفه الناس في ذلك العصر ، مصححا لمعتقدات الناس فيه ، أو مفصلا لما كان مجملا منه ، بل تعدى هذا فتكلم في آيات كثيرة على أنواع أخرى من العلوم التي لم يكن يعرف الإنسان عنها شيئا البتة في ذلك العصر ، مما أثار دهشته ، وجعله يؤمن بها إيمانا غيبيا ، دون أن يعرف الحقيقة التي تنبني عليها ، كاشتعال الماء مثلا ، إلى أن جاء العلم الحديث ، فأثبت هذه الحقيقة العلمية على نحو ما أخبر به القرآن ، مما لفت نظر الإنسان ثانية ، وجعله يؤمن أنه من المستحيل أن يكون هذا الكلام من كلام البشر ، لأنه لم يكن يعرف عن هذه الحقيقة العلمية إبان نزول القرآن شيئا ، ولم يكن له سبيل أبدا إلى إدراكها.
إذن فلا بدّ أن يكون هذا الكلام من قبل عالم السر والعلن ، وخالق الإنسان والمادة ، والكون والحياة ، ولذلك أخبر بما علم مما خلق.
لقد امتلأ القرآن بالإخبار عن العلوم ، مما كان يعرف الإنسان منه الشيء البسيط ، ومما كان لا يعرف عنه شيئا أبدا ، ومما يعرفه على خلاف ما أخبر به القرآن ، كما سنبينه في القريب إن شاء الله.
ولا شك أن هذا قد لفت نظر الذين تحداهم القرآن أن يثبتوا فيه تناقضا أو خلفا ، مما جعلهم يتربصون به الدوائر ، قديما وحديثا.
وكان الناس قديما ، وما زالوا حديثا ، يطرحون نظرياتهم العلمية التي يبحثون من خلالها عن أسرار الكون والحياة.
وتقدم العلم ، وزادت قوة المشاهدة عند الإنسان ، وتشعبت معارفه ومدركاته ، وتغير كثير من النظريات القديمة التي طرحت في سبيل الكشف عن الحقيقة ، وما زالت في كل يوم تتغير وتتبدل.
وهذا يدلنا دلالة قاطعة ، على أنه لا وجود لكلام إنساني تدوم صحته كليا ، دون تبديل ، أو تغيير ، أو تصحيح.