لأن الإنسان يتكلم عما هو معروف من المعتقدات والعلوم في عصره ، ولذلك لو ألقينا نظرة سريعة على كل الكتب القديمة التي صنفت في مضمار العلوم ، لوجدناها إلى جانب ما حوته من الصحة ، مليئة بالأخطاء العلمية ، وفي جميع جوانب العلم ، إذا ما قارناها بكشوفنا الجديدة ونظرياتنا الحديثة.
ولكن القرآن الكريم لم يكن أبدا كهذه الكتب ، ولم يكن خاضعا لهذه الحقيقة ، بل كان على خلافها تماما ، فهو حق وصادق في كل ما قاله وأخبر عنه ، كما كان في الزمن الماضي ، فلم يطرأ على مقاله أي تغيير أو تصحيح ، ورغم تقدم العلوم ، وكثرة المكتشفات ، وظهور الأسرار ، لم يتمكن أحد من أهل الأرض جميعا أن يثبت خطأ القرآن في حرف واحد مما قاله في جانب من جوانب العلوم الكثيرة التي خاض فيها ، أو أشار إليها.
ولو كان القرآن صادرا عن بشر ، محدود العلم والنظر ، لكان شأنه شأن جميع الكتب ، ولأثبتت العلوم المتطورة بطلان الكثير من كلماته وأخباره وقوانينه.
إن الإنسان حينما يكون جاهلا ، أو ناقص المعلومات حول موضوع ما ، فإنه لا يتكلم فيه ، إلا أنه إذا تجرأ على الكلام وتكلم ، كان لا بدّ له أن يقع في كثير من الأخطاء في كلامه ، كما حدث ذلك لكل من فعل مثل هذا ، من العباقرة وغيرهم ، وكما يحدث لأمثالهم في كل زمان ومكان.
وعلى سبيل المثال نذكر ما قاله أرسطو استدلالا على أسبقية الرجل للمرأة ، إذ قال :
«إن فم المرأة يحوي أسنانا أقل عددا من أسنان الرجل».
إلّا أن هذا الكلام لا علاقة له بعلم الأجسام ، بل هو يدل على أن صاحبه جاهل بهذا العلم.
على أن عدد الأسنان عند الرجل والمرأة سواء كما هو معروف (١).
__________________
(١) الإسلام يتحدى : ص ١٩٢.