فمن آمن به قبلها ، ومن جحده كفر بها وردها ، فلا يمكن أن يكون الإيمان بالله متوقفا عليها.
فلا يمكن أن نقول لجاحد : إن تحريم الزنا ، وإباحة النكاح ، وحل البيع ، وحرمة الربا ، معجزة دالة على صدق الرسول ووجود الله ... ، لأنه هو أيضا يوجد عنده ممنوع وجائز وواجب ، وهو من صنعه ، وقد يوافقنا في بعض التشريعات ، ومع ذلك فما وجد فيها لا الإعجاز ولا غيره.
٣ ـ احتواؤه على الحكم :
وقد ذكر القرطبي أيضا أن من وجوه الإعجاز في القرآن الكريم احتواؤه على الحكم البالغة التي لم تجر العادة بأن تصدر في كثرتها وشرفها من آدمي.
وهذا أيضا بعيد من الإعجاز كل البعد ، وهو أبعد من المثالين السابقين.
وذلك لأن كتب الحكمة أيضا كانت قديمة ، عرفها العرب وغيرهم من الأمم.
أما العرب ، فلا يخفى على أحد ما كان عندهم من الحكمة التي انتشرت في شعرهم ونثرهم ، حتى بلغوا بها الذروة العليا بين الأمم.
وأما غير العرب ، فقد فخر الهنود بكتاب «كليلة ودمنة» الذي كان خاصا بملوكهم ، لما فيه من الحكمة ، ثم انتقل إلى الفرس ، وصار مقصورا على ملوك الهند والفرس ، إلى أن جاءهم قدر الله بالإسلام ، وترجم الكتاب ، ليكون من المعارف العامة عند كل الناس ، من مسلمين وغيرهم.
كما فخر الفرس بعهد أردشير ، الذي امتلأ بالحكمة ، وازدان بها ، ولا أريد أن استطرد بسرد الكتب التي اشتملت على الحكمة ، فهي كثيرة ، ولم نسمع أبدا أن أحدا قال : إن هذه الكتب معجزة ، لاحتوائها على ذلك القدر الكبير من الحكمة.
بل لو جاء إنسان ، وجمع كل الحكمة الموجودة في الكتب السابقة ، مع