البقرة ، إذ قال جلّ وعلا :
(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ ، وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجارَةُ ، أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ).
وذلك أن النفي ب «لن» يفيد التأبيد على ما ذهب إليه الإمام الزمخشري.
سلامة المعجزة القرآنية عن المعارضة :
وبهذا الذي ذكرناه ، من مراحل التحدّي ، وعجز سائر البشر عن معارضة القرآن ، يتبيّن لنا أن المعجزة القرآنية قد سلمت عن المعارضة في كل المراحل ، لتثبت وبدلالة قاطعة أنها من عند الله ، وليست من قول البشر ، لأنها ليست من قبيل ما يملكونه من الطاقات.
فليست مفتراة ، وليست أساطير الأولين اكتتبها محمد صلىاللهعليهوسلم ليموّه بها على العرب ، إذ لو كانت كذلك ، لكان بإمكان أي عربي أن يعارضها ويأتي بمثلها.
وكيف يكون محمد صلىاللهعليهوسلم اكتتبها وهي بهذه البلاغة وهذا الإعجاز ..؟ ولا سيما أن محمدا صلىاللهعليهوسلم لم يكن شاعرا ، ولا ساحرا ، ولا كاهنا ، ولا دارسا لأخبار الأوائل ... (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ ، وَما يَنْبَغِي لَهُ).
فلم يكن معروفا في الجاهلية ببلاغته وبيانه ، وإنما كان حاله كحال الناس جميعا ، لغته من لغتهم ، وبيانه من بيانهم ، فلم يعرف عنه أنه يأتي بكلام يخالف كلام العرب وبيانهم.
إذ لو كان كذلك لجاز أن يقولوا ما قالوا.
نعم .. لقد اشتهر فيهم بحكمته ، وأمانته ، حتى لقب بالأمين.
وأما جوامع الكلم التي أوتيها ، فهذا شيء كان بعد النبوة ، فلم يعد للعرب من حق في أن يقولوا أمام هذا التحدي : إن هذا من صنع محمد ، لأنه لو كان من صنعه ، لعارضوه.