أصاب وأبصر القصد ، ولا يمتنع أن يشتبه عليه الحال في الابتداء ، ثم يلوح له رشده ، ويتبيّن له أمره ، وينشكف له عجزه.
دعوى المعارضة في أهل الأعصار التالية للعصر الأول
قال الباقلاني : فإن قال قائل : قد يجوز أن يكون أهل عصر النبي صلىاللهعليهوسلم قد عجزوا عن الإتيان بمثل القرآن ، وإن كان من بعدهم من أهل الأعصار لم يعجزوا.
قيل : هذا سؤال معروف ، وقد أجيب عنه بوجوه.
منها : أنا إذا علمنا أن أهل ذلك العصر كانوا عاجزين عن الإتيان بمثله ، فمن بعدهم أعجز.
لأن فصاحة أولئك في وجوه ما كانوا يتفننون فيه من القول ، مما لا يزيد عليه فصاحة من بعدهم ، وأحسن أحوالهم أن يقاربوهم أو يساووهم ، فأما أن يتقدموهم أو يسبقوهم ، فلا.
ومنها : أنا قد علمنا عجز سائر أهل الأعصار كعلمنا بعجز أهل العصر الأول.
والطريق في العلم بكل واحد من الأمرين طريق واحد ، لأن التحدّي في الكل على جهة واحدة ، والتنافس في الطباع على حد واحد ، وكذلك قال الله تبارك وتعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (١) (سورة الإسراء : آية ٨٨).
لما ذا لا ندرك إعجاز القرآن في هذا العصر
بقي عندنا سؤال مهم ، يتردد على ذهن كل إنسان من أبناء العصر ، ألا وهو ، ما دام القرآن معجزا بلغته وأسلوبه ، يسبي العقول ، ويملك القلوب ،
__________________
(١) إعجاز القرآن ص ٢٥٠.