وكذلك الأمر لو لم يتمكن من إظهارها كلما دعت الحاجة إليها ، وطولب بها ، لتدل على صدقه فيما أتى به (١).
الفرق بين المعجزة وغيرها من السحر والكرامة :
عرفنا أن المعجزة أمر خارق للعادة ، يظهر على يد النبي أو الرسول ، وهو في حالته البشرية ، بشر من البشر ، فما الذي يجعلنا نميّز بين المعجزة وغيرها ، مما يشتبه بها ، من السحر ، والكرامة ، والاستدراج ، مما ظاهره خرق للعادة ، ويظهر على يد البشر؟.
ولنقف على جواب هذا التساؤل يجب علينا أن نقف على هذه الأمور التي قد تشتبه بالكرامة ، لنبيّن الفرق بينها وبين المعجزة ، فالحكم على الشيء فرع عن تصوره.
وسنتكلم أولا عن الكرامة ، ثم الإرهاص ، ثم المعونة ، ثم الاستدراج ، ثم السحر ، ثم الإهانة ، ونبيّن الفوارق بينها وبين المعجزة.
الكرامة : أمر خارق للعادة ، يجريه الله على يد أوليائه ، المواظبين على طاعته ، المجتنبين لمعصيته ، المعرضين عن الانهماك في الملذات.
وذلك كجريان النيل بكتاب عمر ـ رضي الله عنه ـ حين هم أهل مصر على عادتهم قبل الإسلام بأن يلقوا فيه فتاة بكرا. ، لاعتقادهم أنه لا يجري إلّا بذلك ، فمنعهم عمرو بن العاص من ذلك ، وكتب عمر رسالة للنيل يقول فيها : «من عمر أمير المؤمنين إلى نيل مصر ، أما بعد : ـ فإن كنت تجري من قبلك ، فلا تجر ، وإن كان الله الواحد القهّار هو الذي يجريك ، فنسأل الله الواحد القهّار أن يجريك».
فألقى عمرو بن العاص الرسالة في النيل ، وأجراه الله تعالى على غزارته
__________________
(١) جمع الجوامع ٢ / ٤١٦ ، غاية البيان ص ١١ ، طبقات الشافعية ٢ / ٣١٥.