الناس وأطبعهم ، ويقولون : إنه أشعر قريش قاطبة (١).
فقال ابن الزّبعرى : والله لأخصمنّ محمدا ، ثم أتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال له : «ألست تزعم أن عيسى عبد صالح ، وأن الملائكة صالحون؟» ، قال : «بلى» ، قال : فهذه النصارى تعبد عيسى ، وهذه اليهود تعبد عزيزا ، وهذه بنو مليح تعبد الملائكة؟».
فضج أهل مكة ، وفرحوا ظنا منهم أنه أحرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وأبطل معجزته.
وذلك أن القرآن يثني على أولئك العباد الصالحين ، من عيسى وعزير والملائكة ، ثم بعد ذلك يقول : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) ـ أي العابد والمعبود ـ في النار ، وعيسى ، وعزير ، والملائكة ، قد عبدوا ، إذن فهم في جهنم مع من عبدهم ، وهذا فيما يزعمون تناقض في القرآن ، ولذلك فرحوا به ، وظن ابن الزبعرى أنه قد خصم رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وعند ذلك نزل قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) (٢) ، (٣) ، فبيّن أن أمثال هؤلاء الصالحين ليس داخلا في عموم الآية السابقة ، لأنهم لم يعبدوا برضاهم ، ولا تناقض في كتاب الله ، فبهت ابن الزبعرى والمشركون ، إذ تبيّن لهم فشل محاولتهم.
وما فعله المشركون قد فعل مثله اليهود ، لأن التحدّي شامل لهم ، وهم أحرص من غيرهم على إبطال المعجزة على ما ستراه.
محاولة اليهود في المعارضة :
لم تقتصر محاولة المعارضة وإظهار التناقض في القرآن على المشركين ، بل
__________________
(١) شرح أبيات المفتي البغدادي ٤ / ٢٥٦.
(٢) سورة الأنبياء : آية ١٠١.
(٣) الدر المنثور ٤ / ٣٣٨ ، والقرطبي ١١ / ٣٤٣.